التّفسير
هذه الآية تكمل البحث السابق في التوحيد ووحدانية الله، وترد على الذين يقولون بوجود إِله لكل مجموعة من الكائنات، أو لكل ظاهرة من الظواهر، فيقولون: إِله المطر، وإِله الحرب، وإِله السلم، وإِله السماء، وما إِلى ذلك، تقول الآية: (وهو الله في السموات وفي الأرض) (1) أي كما أنّه خالق كل شيء فهو مدبر كل شيء أيضاً، وبذلك ترد الآية على مشركي الجاهلية الذين كانوا يعتقدون أنّ الخالق هو "الله" لكنّهم كانوا يؤمنون أنّ تدبير الأُمور بيد الأصنام.
هنالك احتمال آخر في تفسير الآية، وهو أنّها تعني حضور الله في كل مكان، في السموات والأرض، ولا يخلو منه مكان، فليس هو بجسم ليشغل حيزاً معيناً، بل هو المحيط بكل الأمكنة.
من الطبيعي أن يكون الحاكم على كل شيء والمدبر لكل الأُمور والحاضر في كل مكان عارفاً بجميع الأسرار والخفايا ولهذا تقول الآية: إِنّ ربّاً كهذا (يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون).
قد يقال بأنّ (السرّ) و (الجهر) يشملان أعمال الإِنسان ونواياه، وعلى ذلك فلا حاجة لذكر (ويعلم ما تكسبون).
ولكن ينبغي الإِلتفات إِلى أنّ "الكسب" هو نتائج العمل والحالات النفسية الناشئة عن الأعمال الحسنة والأعمال السيئة، أي أنّ الله يعلم أعمالكم ونواياكم، كما يعلم الآثار التي تخلفها تلك الأعمال والنوايا في نفوسكم، وعلى كل حال، فانّ ذكر العبارة هذه يفيد التوكيد بشأن أعمال الإِنسان.
﴿وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ﴾ أي المعبود فيها كذلك هو الله في كل مكان ﴿يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ﴾ تقرير له ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾ من خير وشر فيجازيكم به.