التّفسير
قدرة الله القاهرة:
قلنا إِنّ هدف هذه السّورة هو استئصال جذور الشرك وعبادة الأصنام، وهاتان الآيتان تواصلان تحقيق ذلك.
فالقرآن يتساءل أوّلا: لماذا تتوجهون إِلى غير الله، وتلجأون إِلى معبودات تصطنعونها لحل مشاكلكم ودفع الضر عن أنفسكم واستجلاب الخير لها؟ بينما لو أصابك أدنى ضرر فلا يرفعه عنك غير الله، وإِذا أصابك الخير والبركة والفوز والسعادة فما ذلك إِلاّ بقدرة الله، لأنّه هو القادر القوي: (وإن يمسسك الله بضرّ فلا كاشف له إِلاّ هو وإن يمسسك الله بخير فهو على كل شيء قدير) (1).
في الواقع إنّ سبب الإِتجاه إِلى غير الله إمّا لتصورهم أنّ ما يتجهون إليه مصدر الخيرات، وإمّا لإِعتقادهم بقدرته وأنّه يدرأ عنهم المصائب ويحل لهم مشاكلهم، والخضوع إِلى حد العبادة لذوي السلطان والمال والقوة ينشأ من أحد هذين الدافعين، هذه الآية تبيّن أنّ إِرادة الله حاكمة على كل شيء، فإِذا منع عن أحد نعمة، أو منح أحداً نعمة، فما من قدرة في العالم تستطيع أن تغير ذلك، فلماذا إِذن يطأطئون رؤوسهم خضوعاً لغيره؟
إِنّ استعمال "يمسسك" في الخير والشر، وهي من "مسّ"، تشير إِلى أنّ الخير والشر - مهما قلّ - لا يكون إِلاّ بإِرادته وقدرته.
ثمّ إِنّ الآية المذكورة تدحض فكرة "الثنويين" القائلين بمبدأي "الخير" و"الشر" وعبادتهما، وتقول إِنّ الإثنين كليهما من جانب الله، ولكننا سبق أن قلنا أن ليس ثمّة شيء اسمه "الشر المطلق".
وعليه فعندما ينسب الشر إِلى الله فإِنّما يقصد به على الظاهر "سلب النعمة" وهو بحدّ ذاته "خير"، فهو إمّا أن يكون للإِيقاظ والتربية والتعليم وكبح حالات الغرور والطغيان والذاتية، أو لمصالح أُخرى.
﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ﴾ ببلاء كفقر ومرض ﴿فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ﴾ كغنى وصحة ﴿فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُير﴾ ومنه إدامته فلا يقدر أحد على رفعه.