التّفسير
حجب لا تقبل الإِختراق:
في هذه الآية إِشارة إِلى الوضع النفسي لبعض المشركين، فهم لا يبدون أية مرونة تجاه سماع الحقائق، بل أكثر من ذلك - يناصبونها العداء، ويقذفونها بالتهم، فيبعدون أنفسهم وغيرهم عنها، عن هؤلاء تقول الآية: (ومنهم من يستمع إِليك وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً) (1).
في الواقع كانت عقولهم وأفكارهم منغمسة في التعصب الجاهلي الأعمى، وفي المصالح المادية والأهواء، بحيث أصبحت وكأنّها واقعة تحت الأستار والحواجز، فلا هم يسمعون حقيقة من الحقائق، ولا هم يدركون الأُمور إِدراكاً صحيحاً.
سبق أن قلنا مراراً أنّ نسبة هذة الأُمور إِلى الله، إِنّما هو إِشارة إِلى قانون "العلة والمعلول" وخاصية "العمل"، أي أنّ أثر الاستمرار في الإِنحراف والإِصرار على المعاندة والتشاؤم يظهر في إِتصاف نفس الإِنسان بهذه المؤثرات، وفي تحولها إِلى مثل المرآة المعوجة التي تعكس صور الأشياء معوجة منحرفة، لقد أثبتت التجربة أنّ المنحرفين والمذنبين يحسون أوّل الأمر بعدم الرضا عن حالهم، ولكنّهم يعتادون ذلك بالتدريج، وقد يصل بهم الأمر إِلى اعتبار أعمالهم القبيحة لازمة وضرورية، وبتعبير آخر: هذا واحد من أنواع العقاب الذي يناله المصّرون على العصيان ومعاداة الحقّ.
وهؤلاء وصلوا حدّاً تصفه الآية فتقول: (وإِن يروا كل آية لا يؤمنوا بها)، بل الأكثر من ذلك أنّهم عندما يأتون إِليك، لا يفتحون نوافذ قلوبهم أمام ما تقول، ولا يأتون - على الأقل - بهيئة الباحث عن الحقّ الذي يسعى للعثور على الحقيقة والتفكير فيها، بل يأتون بروح وفكر سلبيين، ولا هدف لهم سوى الجدل والإِعتراض: (حتى إِذا جاؤوك يجادلونك) أنّهم عند سماعهم كلامك الذي يستقى من ينابيع الوحي ويجري على لسانك الناطق بالحقّ، يبادرون إِلى إِتهامك بأنّ ما تقوله إِنّما هو خرافات اصطنعها أُناس غابرون: (يقول الذين كفروا إِن هذاأساطير الأولين).
﴿وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ حين تقرأ القرآن ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ أغطية كراهة ﴿أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ ثقلا مانعا عن قبوله عقوبة لإصرارهم على الكفر أو كناية عن منع اللطف لسوء أفعالهم ﴿وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا﴾ عنادا وتقليدا ﴿حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ﴾ ما ﴿هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ أكاذيبهم أي إن تكذيبهم الآيات بلغ إلى أنهم يجادلونك فيجعلون أصدق الحديث خرافات الأولين.