الآية الثّانية تستأنف مواساة الرّسول (ص) وتبيّن له حال من سبقه من الأنبياء، وتؤكّد له أنّ هذا ليس مقتصراً عليه وحده، فالأنبياء قبله نالهم من قومهم مثل ذلك أيضاً: (ولقد كذّبت رسل من قبلك).
ولكنّهم صبروا وتحملوا حتى انتصروا بعون الله: (فصبروا على ما كذبوا واوذوا حتى أتاهم نصرنا) وهذه سنة إِلهية لا قدرة لأحد على تغييرها: (ولا مبدل لكلمات الله).
وعليه، فلا تجزع ولا تبتئس إِذا ما كذبك قومك وآذوك، بل اصبر على معاندة الأعداء وتحمل أذاهم، واعلم أنّ الإِمدادات والألطاف الإِلهية ستنزل بساحتك بموجب هذه السنة، فتنتصر في النهاية عليهم جميعاً، وإِنّ ما وصلك من أخبار الأنبياء السابقين عن مواجهتهم الشدائد والمصاعب وعن ثباتهم وصبرهم وانتصارهم في النهاية، لهو شهادة بيّنة لك: (ولقد جاءك من نبأ المرسلين).
تشير هذه الآية - في الواقع - إِلى مبدأ عام هو أنّ قادة المجتمع الصالحين الذين يسعون لهداية الشعوب عن طريق الدعوة إِلى مبادىء وتعاليم بناءة، وبمحاربة الأفكار المنحطة والخرافات السائدة والقوانين المغلوطة في المجتمع، يواجهون معارضة شديدة من جانب فريق الإِنتهازيين الذين يرون في انتشار تلك التعاليم والمبادىء البناءة خطراً يتهدد مصالحهم، فلا يتركون وسيلة إِلاّ استخدموها لترويج أهدافهم المشؤومة، ولا يتورعون حتى عن التوسل بالتكذيب والإِتهام، والحصار الإِجتماعي، والإِيذاء والتعذيب، والسلب والنهب، والقتل، وبكل ما يخطر لهم من سلاح لمحاربة أُولئك المصلحين.
إِلاّ أنّ الحقيقة، بما فيها من قوة الجاذبية والعمق، وبموجب السنة الإِلهية، تعمل عملها وتزيل من الطريق كل تلك الأشواك، إِلاّ أنّ شرط هذا الإِنتصار هو الصبر والمقاومة والثبات.
تعبر هذه الآية عن السنن بعبارة "كلمات الله"، لأنّ الكلم والكلام في الأصل التأثير المدرك بإِحدى الحاستين، السمع أو البصر، فالكلام مدرك بحاسة السمع، والكلم بحاسة البصر، وكلمته: جرحته جراحة بان تأثيرها، ثمّ كان توسع في إِطلاق "الكلمة" على الألفاظ والمعاني وحتى على العقيدة والسلوك والسنة والتعاليم.
﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ﴾ تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ﴾ ما مصدرية ﴿حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ فتأس بهم فاصبر حتى يأتيك نصرنا ﴿وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ﴾ لمواعيده بنصر رسله ﴿وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ بعض قصصهم.