في الآية التي تليها استكمال لما سبق ومزيد من المواساة للرسول الكريم (ص)، فتقول الآية (إِنّما يستجيب الذين يسمعون).
أمّا الذين هم في الواقع أشبه بالأموات فأنّهم لا يؤمنون حتى يبعثهم الله يوم القيامة: (والموتى يبعثهم الله ثمّ إِليه يرجعون) (2).
يومئذ، وبعد أن يروا مشاهد يوم القيامة يؤمنون، إِلاّ أنّ إيمانهم ذاك لا ينفعهم شيئاً، لأنّ رؤية مناظر يوم القيامة العظيمة تحمّل كل مشاهد على الإِيمان فيكون نوعاً من الإِيمان الإِضطراري.
ومن نافلة القول أنّ "الموتى" في هذه الآية لا تشير إِلى الموت الجسماني في الأفراد، بل الموت المعنوي، فالحياة والموت نوعان: حياة وموت عضويان، وحياة وموت معنويان، كذلك أيضاً السمع والبصر، عضويان ومعنويان فكثير ما نصف المبصرين السامعين الأحياء الذين لا يدركون الحقائق بأنّهم عمي أو صم أو حتى أموات، إِذ إِنّ رد الفعل الذي يصدر عادة من الإِنسان الحي البصير السامع إزاء الحقائق لا يصدر من هؤلاء.
أمثال هذه التعبيرات كثيرة في القرآن، ولها عذوبة، وجاذبية خاصّة، بل إِنّ القرآن لا يعير أهمية كبيرة للحياة المادية البايلوجية التي تتمثل في "الأكل والنوم والتنفس" وإِنّما يعني أشد العناية بالحياة الإِنسانية المعنوية التي تتمثل في تحمل التكاليف والمسؤولية والإِحساس واليقظة والوعي.
لابدّ من القول أيضاً: إِنّ المعنوي من العمى والصمم والموت ينشأ من ذات الأفراد، لأنّهم - لإِستمرارهم في الإِثم وإِصرارهم عليه وعنادهم - يصلون إِلى تلك الحالة.
إِنّ من يغمض عينيه طويلا يصل إِلى حالة يفقد فيها تدريجياً قوة البصر، وقد يبلغ به الأمر إِلى العمى التام، كذلك الذي يغمض عين روحه عن رؤية الحقائق طويلا يفقد بصيرته المعنوية شيئاً فشيئاً.
﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ﴾ إلى الإيمان ﴿الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾ وهؤلاء كالموتى لا يسمعون ﴿وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ﴾ من قبورهم ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ للجزاء فيستمعون حينئذ ولكن لا ينفعهم.