حتى المشركون وعبدة الأصنام لا يخطر لهم التوسل بأصنامهم، بل ينسونها في مثل هذه الظروف تماماً، فتقول الآية: (بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إِليه إِن شاء وتنسون ما تشركون).
بحوث
هنا يحسن الإِلتفات إِلى النقاط التّالية:
1 - إِنّ الإِستدلال المطروح في هاتين الآيتين هو الإِستدلال على التوحيد الفطري الذي يمكن الإِستفادة منه في مبحثين: الأوّل: في إِثبات وجود الله، والثّاني: في إِثبات وحدانيته، لذلك استشهدت الرّوايات الإِسلامية والعلماء المسلمون بهاتين الآيتين للرد على منكري وجودالله، وكذلك للردّ على المشركين.
2 - من الملاحظ أنّ الإِستدلال المذكور تطرق إِلى (قيام الساعة)، وقد يقال: إِنّ المخاطبين لا يؤمنون بالقيامة أصلا، فكيف يمكن طرح مثل هذا الإِستدلال أمام هؤلاء؟
نقول أوّلا: إِنّ هؤلاء لم يكونوا جميعاً ينكرون يوم القيامة، فقد كان فريق منهم يؤمنون بنوع من البعث.
وثانياً: قد يكون المعنى بالساعة هي ساعة الموت، أو الساعة الرهيبة التي تنزل فيها على الإِنسان مصيبة تضعه على شفا الهلاك.
وثالثاً: قد يكون هذا تعبيراً مجازياً عن الحوادث المخيفة، فالقرآن يكرر القول بأنّ يوم القيامة يقترن بسلسلة من الحوادث المروعة، كالزلازل والعواصف والصواعق وأمثالها.
3 - إنّنا نعلم أنّ يوم القيامة وما يصحبه من وقائع وأُمور حتمية الوقوع، ولا يمكن تغييرها إطلاقاً، فكيف تقول الآية: (بل إيّاه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء) ؟ فهل القصد هو إظهار قدرة الله، أم أنّ هناك قصد آخر؟
في جواب هذا السؤال نقول: لا يعني هذا أنّ الله سوف يلغي بالدعاء البعث وقيام الساعة أصلا، بل الآية تقصد القول بأنّ المشركين - وحتى غير المشركين - عند مشاهدتهم الحوادث الرهيبة عند قيام الساعة وبالأهوال والعذاب الذي ينتظرهم، يستولي عليهم الفزع والجزع، فيدعون الله ليخفف عنهم تلك الأهوال، وينجيهم من تلك الأخطار، فدعاؤهم يكون لنجاتهم من أهوال يوم القيامة الرهيبة، لا لإِلغاء ذلك اليوم من الأساس.
يقول علماء العربية: إنّ "ك" في "أرأيتك" و"كم" في "أرأيتكم" ليستا إسماً ولا ضميراً، ولكنّهما حرفا خطاب يفيدان التوكيد، والفعل في مثل هذه الحالات يكون مفرداً إنّما الافراد والتثنية والجمع تظهر على حرف الخطاب هذا، ففي "أرأيتكم" المخاطبون جماعة ولكن الفعل "رأيت" مفرد، و"كم" هو الذي يدل على أنّ المخاطبين جماعة، وقيل: أنّ هذا التعبير من حيث المعنى يساوي قولك: (أخبرني) أو (أخبروني)، ولكن الحقّ أنّ الجملة تحتفظ بمعناها الإِستفهامي،
﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ﴾ لا غير ﴿فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ﴾ الذي تدعونه إلى كشفه ﴿إِنْ شَاء﴾ كشفه ﴿وَتَنسَوْنَ﴾ تتركون ﴿مَا تُشْرِكُونَ﴾ به من آلهتكم فلا تدعونها إذ لا نفع لغيره.