لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وهكذا استؤصلت جذور أُولئك الظلمة وانقطع نسلهم: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا). و"الدابر" بمعنى المتأخر والتابع. ولما كان الله قد وفر لهؤلاء كل وسائل التربية ولم يبخل عليهم بأي شيء منها، لذلك فانّ الحمد يختص بالله الذي يربي أهل الدنيا كافة (والحمد لله ربّ العالمين). ملاحظات: لابدّ هنا من التنبه إِلى بضع نقاط: 1 - قد يبدو لبعضهم أنّ هذه الآيات تتعارض مع الآيات السابقة، فقد بيّنت الآيات السابقة أنّ المشركين إِذا هاجمتهم المصاعب والشدائد يتوجهون إِلى الله وينسون كل ما عداه، ولكن هذه الآيات تقول: إِنّ هؤلاء لا يستيقظون حتى بعد تعرضهم للمنغصات الشديدة. هذا التباين الظاهري يزول إِذا انتبهنا إِلى النقطة التّالية، وهي أنّ اليقظة الخاطفة المؤقتة عند ظهور الشدائد لا تعتبر يقظة حقيقية، لأنّهم سرعان ما يعودون إِلى الغفلة السابقة. في الآيات السابقة كان الكلام عن التوحيد الفطري، فكان التيقظ والتوجه العابر ونسيان كل شيء سوى الله في تلك اللحظات الحساسة ما يكفي لإِثبات ذلك، أمّا في هذه الآيات فالكلام يدور عن الإِهتداء والرجوع عن الضلال إِلى الطريق المستقيم، لذلك فانّ اليقظة العابرة المؤقتة لا تنفع شيئاً. قد يتصور أنّ الاختلاف بين الموضعين هو أنّ الآيات السابقة تشير إِلى المشركين الذين عاصروا رسول الله (ص)، والآيات التي بعدها تشير إِلى الأقوام السابقين، ولذلك لا تعارض بينهما (3). ولكن من المستبعد جدّاً أن يكون المشركون المعاندون المعاصرون لرسول الله (ص) خيراً من الضالين السابقين، وعليه فلا حلّ للإِشكال إِلاّ بما قلناه. 2 - نقرأ في هذه الآيات أنّه عندما لم يكن لإِبتلائهم بالشدائد تأثير في توعيتهم، فإِنّ الله يفتح أبواب الخيرات على أمثال هؤلاء الآثمين، فهل هذا ترغيب بعد المعاقبة، أم هو مقدمة لعقاب أليم؟ أي: هل هذه النعم نعم إِستدراجية، تغمر المتمرد تدريجياً بالرفاهية والتنعم والسرور... تغمره بنوع من الغفلة، ثمّ ينتزع منه كل شيء دفعة واحدة؟ ثمّة قرائن في الآية تؤيد الإِحتمال الثّاني، ولكن ليس هناك ما يمنع من قبول الإِحتمالين، أي أنّه ترغيب وتحريض على الإِستيقاظ، فإِن لم يؤثر، فمقدمة لسلب النعمة ومن ثمّ إِنزال العذاب الأليم. جاء في حديث عن رسول الله (ص) قوله: "إِذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإِنّما هو إِستدراج) ثمّ تلى الآية (فلمّا نسوا...) (4). وفي حديث عن أميرالمؤمنين علي (ع) قال: "يا ابن آدم، إِذا رأيت ربّك سبحانه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره" (5). وفي كتاب (تلخيص الأقوال) عن الإِمام الحسن العسكري (ع) قال: "إِنّ قنبر مولى أميرالمؤمنين علي (ع) أدخل على الحجاج، فقال: ما الذي كنت تلي من علي بن أبي طالب؟ قال: كنت أوضيه، فقال له: ماذا يقول إِذا فرغ من وضوئه؟ فقال: كان يتلو هذه الآية: (فلمّا نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إِذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإِذا هم مبلسون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)، فقال الحجاج: أظنّه كان يتأولها علينا؟! قال: نعم" (6). 3 - يتّضح من هذه الآيات أنّ هدف الكثير من الحوادث المؤلمة هو الإِيقاظ والتوعية، وهذا جانب من فلسفة "المصائب والآفات" التي تحدثنا بشأنها في بحث التوحيد، ولكن الملفت للنظر هو أنّه يبدأ الموضوع بكلمة "لعل"، وذلك لأنّ نزول البلاء وحده لا يكفي للإِيقاظ، بل هو تمهيد للقلوب المستعدة (سبق أن قلنا أنّ "لعل" في كلام الله تستعمل حيثما تكون هناك شروط أُخرى). هنالك أيضاً كلمة "تضرع" التي تعني أصلا نزول اللبن في الثدي واستسلامه للرضيع، ثمّ انتقل المعنى إِلى الإِستسلام مع الخضوع والتواضع، أي أنّ تلك الحوادث الشديدة تهدف إِلى إِنزالهم عن مطية الغرور والتمرد والأنانية، والإِستسلام لله. 4 - ممّا يلفت النظر إِختتام الآية بقول: (الحمد لله ربّ العالمين) وهذا دليل على أنّ استئصال جذور الظلم والفساد والقضاء على شأفة الذين يمكن أن يواصلوا هذا الأمر من الأهمية بحيث يستوجب الحمد لله. في حديث ينقله فضيل بن عياض عن الإِمام الصادق (ع) يقول: "من أحبّ بقاء الظالمين فقد أحبّ أن يعصي الله، إِنّ الله تبارك وتعالى حمد بنفسه بهلاك الظلمة فقال: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمدلله ربّ العالمين). 1- "البأساء" الشدّة والمكروه، وتطلق على الحرب أيضاً، وكذلك القحط والجفاف والفقر، أمّا "الضراء" فأكثر ما تعني العذاب الروحي، كالهم والغم والإِكتئاب والجهل، أو الآلام الناشئة عن الأمراض أو عن فقدان مال أو مقام. ولعل الإِختلاف بين معنيي اللفظتين ناشىء عن أنّ "الباساء" تشير إِلى المكروه الخارجي و"الضراء" تشير إِلى المكروه الداخلي، النفسي أو الروحي، وعلى هذا تكون "الباساء" من عوامل إِيجاد "الضراء"، فتأمل بدقّة!. 2- "الإِبلاس" الحزن المعترض من شدة التألم بسبب كثرة المنغصات المؤلمة، ومنها اشتقت كلمة "إِبليس"، وهي هنا تدل على شدة الغم والهم اللذين يصيبان المذنبين يومئذ. ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ﴾ آخر ﴿الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ أي استؤصلوا ﴿وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ على إهلاكهم فإنه نعمة تحمد.