التّفسير
اعرفوا واهب النعم!
الخطاب ما يزال موجهاً إِلى المشركين.
في هذه الآيات حثّ إِستدلالي على إِيقاظهم ببيان آخر يعتمد غريزة دفع الضرر، فيبدأ بالقول: إِنّه إِذا سلب منكم الله النعم الثمينة التي وهبها لكم، مثل السمع والبصر، وأغلق على قلوبكم أبواب التمييز بين الحسن والسيء، والحقّ الباطل، فمن يا ترى يستطيع أن يعيد إِليكم تلك النعم؟ (قل أرأيتم إِن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إِله غير الله يأتيكم به).
في الواقع، كان المشركون أنفسهم يعتقدون أنّ الخالق والرازق هو الله، وكانوا يعبدون الأصنام للإِستشفاع بها عند الله.
والقرآن يحثّهم على الإِتجاه المباشر نحو الله مصدر كل الخيرات والبركات بدل الإِتجاه إِلى أصنام لا قيمة لها.
وإِضافة إِلى ما كان يحمله عبدة الأصنام من اعتقاد بالله، فإِنّ القرآن استجوب عقولهم هنا لإِبداء رأيها وحكمها في أمر أصنام لا تملك هي نفسها عيناً ولا أذناً ولا عقلا ولا شعوراً، فهل يمكنها أن تهب أمثال هذه النعم للآخرين؟!
ثمّ تقول الآية: اُنظر إِلى هؤلاء الذين نشرح لهم الآيات والدلائل بمختلف الوسائل، ولكنّهم مع ذلك يعرضون عنها: (اُنظر كيف نصرّف الآيات ثمّ هم يصدفون).
وفيما يتعلق بمعنى "ختم" وسبب ورود "سمع" بصيغة المفرد، و"أبصار" بصيغة الجمع في القرآن راجع المجلد الاُوّل من هذا التّفسير، (92).
"نصرف" من "التصريف" بمعنى "التغيير"، والكلمة هنا تشير إِلى مختلف الإِستدلالات في صور متنوعة.
و"يصدفون" من "صدف" بمعنى "الجانب" و"الناحية" أي أنّ المعرض عن شيء يدير وجهه إِلى جانب أو ناحية أُخرى.
وهذه الكلمة تستعمل بمعنى الإِعراض أيضاً، ولكنه "الإِعراض الشديد" كما يقول الراغب الأصفهاني.
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ﴾ أخبروني ﴿إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ﴾ أصمكم وأعماكم ﴿وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم﴾ أذهب عقلها بالتغطية عليها ﴿مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ﴾ أي بما أخذ وختم عليه ﴿انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ﴾ نبينها أو نوجهها حججا عقلية وترغيبا وترهيبا وتذكيرا بمن مضى ﴿ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ﴾ يعرضون عنها بعد ظهورهما.