في الآية الثانية ينتقل الكلام إِلى إِحاطة علم الله بأعمال الإِنسان وهو الهدف الأصلي وإِلى بيان قدرة الله القاهرة، لكي يستنتج الناس من هذا البحث الدروس التربوية اللازمة فتبدأ بالقول بأنّ الله هو الذي يقبض أرواحكم في الليل، ويعلم ما تعملون في النهار: (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار).
"توفى" تعني استرجع، فالقول بأنّ النوم هو استرجاع للروح يعود إِلى أنّ النوم أخو الموت، كما هو معروف، فالموت تعطيل كامل لجهاز الدماغ، وانقطاع تام في إِرتباط الروح بالجسد، بينما النوم تعطيل قسم من جهاز الدماغ وضعف في هذا الإِرتباط، وعليه فالنوم مرحلة صغيرة من مراحل الموت (3).
"جرحتم" من "جرح" وهي هنا بمعنى الإِكتساب، أي أنّكم تعيشون تحت ظل قدرة الله وعلمه ليلا ونهاراً، وانّ الذي يعلم بإِنفلاق الحبّة ونموها في باطن الأرض، ويعلم بسقوط أوراق الأشجار وموتها في أي مكان وزمان، يعلم بأعمالكم أيضاً.
ثمّ يقول: إِنّ نظام النوم واليقظة هذا يتكرر،فأنتم تنامون في الليل (ثمّ يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى) (4) أي ثمّ يوقظكم في النهار.
وتستمر هذه العملية حتى نهاية حياتكم.
ويبيّن القرآن النتيجه النهائية لهذا المبحث بالشكل التالي: (ثمّ إِليه مرجعكم ثمّ ينبّئكم بما كنتم تعملون).
﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ﴾ بقبض أرواحكم عند النوم كما قال يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ﴿وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم﴾ ما كسبتم ﴿بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾ يوفقكم في النهار ﴿لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى﴾ ليستوفي المستيقظ أجله المضروب له في الدنيا ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ بالموت أو البعث ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ بمجازاتكم به.