وفي الآية الثّالثة توضيح أكثر لإِحاطة علم الله بأعمال عباده وحفظها بكل دقة ليوم الحساب، بعد أن يسجلها مراقبون مرسلون لإِحصاء أعمالهم: (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة).
سبق أن قلنا إِنّ "القاهر" هو المتسلط الغالب المهيمن الذي لا تقف أمامه أية قوّة، ويرى بعضهم هذه الكلمة تستعمل حيث يكون المقهور عاقلا.
أمّا كلمة "الغالب" فليست فيها هذه الخصوصية، فهي عامّة واسعة المعنى.
"حفظة" جمع "حافظ" وهم هنا الملائكة الموكّلون بحفظ أعمال الناس، كما جاء في سورة الإِنفطار، الآيات 10 - 13: (إن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون).
ويرى بعض المفسّرين أنّهم لا يحفظون أعمال الإِنسان، بل هم مأمورون بحفظ الإِنسان نفسه من الحوادث والبلايا حتى يحين أجله المعين، ويعتبرون (حتى إِذا جاء أحدكم الموت) بعد "حفظة" قرينة تدل على ذلك، كما يمكن اعتبار الآية (11) من سورة الرعد دليلا عليه كذلك (5).
ولكنّ بالتدقيق في مجموع الآية التي نحن بصددها نتبيّن أنّ القصد من الحفظ هنا هو حفظ الأعمال، أمّا بشأن الملائكة الموكّلين بحفظ الناس فسوف نشرحه بإِذن الله عند تفسير سورة الرعد.
ثمّ يبيّن القرآن الكريم أن حفظ الأعمال يستمر حتى نهاية الأعمار وحلول الموت: (حتى إِذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا).
وتبيّن الآية في النهاية أنّ هؤلاء الملائكة لا يقصرون ولا يفرطون في مهمتهم، فلا يتقدمون لحظة ولا يتأخرون في موعد قبض الروح.
ويحتمل أيضاً أنّ هذه الصفة ترتبط بالملائكة الذين يحفظون حساب أعمال البشر، فهم في حفظهم للحساب لا يصدر منهم أدنى تقصير أو قصور، والآية تركز على هذا القسم بالذات.
﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً﴾ ملائكة تحصي أعمالكم وفيه لطف للعباد لأنهم إذا علموا أن أعمالهم تكتب وتعرض في القيامة كان أزجر عن الذنب ﴿حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ ملك الموت وأعوانه وقرىء توفاه ﴿وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ﴾ لا يقصرون فيما أمروا به.