لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير ألوان العذاب: في الآيات السابقة التي تتضمن بيان التوحيد الفطري تتجلى محبّة الله لعباده، وحنوه عليهم عند الشّدائد والصعاب، واستجابته لدعواتهم. وفي هذه الآية تركيز على التهديد بعذاب الله وعقابه، من أجل إِكمال طرق التربية والتهذيب، أي أنّ الله وهو أرحم الراحمين وملجأ اللاجئين، قهار منتقم مقابل الطغاة العصاة، ففي هذه الآية يؤمر الرّسول (ص) بتهديد المجرمين بثلاثة أنواع من العقاب: عذاب من فوق، وعذاب من تحت، وعقاب يتمثل في اختلاف الكلمة والحرب وإِراقة الدماء: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض). وفي الختام تقول الآية: (انظُر كيف نصرف الآيات لعلّهم يفقهون)، أي انظر كيف نوضح لهم المعالم والدلائل على أمل أن يفهموا الحقائق ويعودا إِلى الله. بحوث هنا أيضاً لابدّ من الإِشارة إِلى بعض النقاط: 1 - هنالك اختلاف بين المفسّريين بشأن المقصود من العذاب من فوق ومن تحت، ويظهر أنّ لهاتين الكلمتين معاني واسعة، فهما تشملان الجهتين الماديتين من السماء ومن الأرض كالصواعق والأمطار الغزيرة والعواصف المدمّرة التي يأتي من فوق، والزلازل والإِنشقاقات الأرضية المدمرة وفيضانات الأنهر والبحار من تحت. كذلك تشمل الآلام والمصائب التي ينزلها بعض الحكام والطبقات المتسلطة في المجتمع على رؤوس الشعوب، وكذلك الآلام والعذاب الذي يسببه بعض الموظّفين الذين لا يعرفون واجبهم للناس ممّا قد لا يقل عما يسببه الحكام والطّبقات العليا من المجتمع. وكذلك يحتمل أن تشمل أسلحة الحرب المخيفة في عصرنا التي تبيد حياة البشر بشكل وحشي من الأرض والجو، وتحيل المدن خلال مدّة قصيرة إِلى ركام وأنقاض عن طريق القصف الجوي والهجوم الارضي وزرع الألغام والغواصات المدمّرة داخل البحار. 2 - "يلبسكم" من "اللبس" بفتح اللام بمعنى الإِختلاط والإِمتزاج، لا من "اللبس" بضم اللام بمعنى إِرتداء الملابس، وعلى ذلك يكون معنى الآية: إِنّه قادر على أن يجعل منكم جماعات مختلفة تختلط بعض ببعض. يستنتج من هذا التعبير أنّ مسألة اختلاف الكلمة والتفرق في المجتمع لا تقل خطورتها عن العذاب السماوي والصواعق والزلازل، وهو في الحقيقة كذلك، بل قد يكون الخراب الناشىء من اختلاف الكلمة والتفرق أحياناً أشد وطأة ودماراً من الزلازل والصواعق، كثيراً ما نلاحظ أنّ دولا عامرة يصيبها الفناء بسبب النفاق والتفرقة، وهذه الكلمة تحذير لجميع مسلمي العالم! هنالك أيضاً احتمال آخر في تفسير هذه الآية، وهو - أنّ الله قد أشار - إِلى جانب العذاب السماوي والأرضي - إِلى لونين آخرين من العذاب: أحدهما: اختلاف العقيدة والفكر (وهو في الواقع مثل العذاب النازل من فوق)، والآخر: هو الإِختلاف في العمل والسلوك الإِجتماعي الذي يؤدي إِلى الحروب وإِراقة الدماء (وهو أشبه بالعذاب الآتي من تحت). وعليه، فالآية تشير إِلى أربعة ألوان من العذاب الطبيعي، ولونين من العذاب الإِجتماعي. 3 - لابدّ من الإِنتباه إِلى أن قوله تعالى: (أويلبسكم شيعاً) (1)، لايعني أنّ الله يبتلي الناس - بدون مبرر - بالنفاق والإِختلاف، بل إِنّ ذلك نتيجة سوء أعمالهم وغرورهم وأنانياتهم، والانغماس في منافعهم الشخصية، ممّا يثير روح النفاق والتفرقة بينهم، وما نسبة ذلك إِلى الله إِلاّ لأنّه جعل تلك الآثار من نتائج تلك الأعمال. 4 - على الرّغم من أنّ الخطاب في هذه الآية موجه إِلى المشركين وعبدة الأصنام، فإنّنا نستنتج أنّ المجتمع المشرك والمنحرف عن طريق التوحيد وعبادة الله، يصاب بظلم الطبقات العليا، وظلم الطبقات الدنيا المتهاونة في واجباتها، كما تقع البشرية بين براثن الإِختلاف العقائدية والمخاصمات الدموية في المجتمع، كما هو حال المجتمعات المعاصرة التي تعبد أوثان الصناعة والثروة، فهي رهين مصائب لا فكاك لها من مخالبها. بعض الشعوب المسلمة تتحدث عن التوحيد وعبادة الله بأقوالها، ولكنّها بأفعالها مشركة تعبد الأصنام. إن مصائر شعوب كهذه لا يختلف عن مصائر المشركين. وقد يكون حديث الإِمام الباقر (ع) : "كل هذا في أهل القبلة" إِشارة إِلى هذا الإِختلاف بين المسلمين، فعندما ينحرف المسلمون عن طريق التوحيد، تأخذ الأنانية وحبّ الذات مكان الأُخوة الإِسلامية، وتتغلب المصالح الشخصية على المصلحة العامّة، ولا يفكر الفرد إِلاّ بنفسه وينسى الناس أوامر الله ونواهيه، فيحيق بهم ما أحاق بأُولئك. ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ﴾ هو الدخان والصيحة أو الطوفان والريح والحجارة ﴿أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ وهو الخسف والغرق ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً﴾ يخلطكم فرقا مختلفي الأهواء ﴿وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ﴾ يقتل بعضكم بعضا ﴿انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ﴾ نبين الدلائل ﴿لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾ يميزون الحق من الباطل.