التّفسير
هذه الآية دليل على ما جاء في الآية السابقة، وعلى ضرورة التسليم لله وإِتّباع رسوله، لذلك تقول: (هو الذي خلق السموات والأرض بالحق).
إِنّ مبدأ عالم الوجود هو وحده الجدير بالعبادة، وهو وحده الذي يجب الخضوع والتسليم له، لأنّه خلق الأشياء لمقاصد حقّة.
المقصود من (الحق" في الآية هو الأهداف والنتائج والمنافع والحكم، أي أنّ كل مخلوق قد خلق لهدف وغاية ومصلحة، وهذه الآيه تشبه الموضوع الذي تتناوله الآية (77) من سورة ص التي جاء فيها: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا).
ثمّ يقول: إِنّه فضلا عن كونه مبدع عالم الوجود، فان يوم القيامة أيضاً يقوم بأمره، وإِذا ما أصدر أمره بقيام ذلك اليوم فإنّه يتحقق فوراً: (ويوم يقول كن فيكون) (1).
يحتمل بعضهم أنّ هذه العبارة تشير إِلى مبدأ الخلق وإِيجاد عالم الوجود، حيث خلق كل شيء بأمر الله، ولكن بالنظر لأنّ الفعل "يقول" مضارع، وهناك قبل هذه الآية إِشارة إِلى أصل الخلق، وكذلك بالرجوع إِلى الآيات التّالية، يمكن القول بأنّ هذه العبارة تخص البعث ويوم القيامة.
سبق في تفسير الآية (117) من سورة البقرة في المجلد الأوّل أن قلنا إِنّ (كن فيكون) لا تعني إِصدار أمر لفظي لشيء أن يكون فيكون، بل تعني إِنّه إِذا شاء خلق شيء، فإنّ إرادته تتحقق دون حاجة الى وجود أي عامل آخر، فإذا شاء أن يتحقق الشيء فهو يتحقق فوراً.
وإِذا شاء أن يتحقق تدريجياً فإنّ خطّة تحققه التدريجي تبدأ.
ثمّ يضيف: أنّ ما يقوله الله هو الحق، أي أنّه مثلما كان مبدأ الخلق ذا أهداف ونتائج ومصالح، كذلك سيكون يوم القيامة: (قوله الحق).
وفي ذلك اليوم الذي ينفخ فيه في صور ويبعث الناس يوم القيامة، يكون الحكم والملك لله: (وله الملك يوم ينفخ في الصور).
حكومة الله على عالم الوجود ومالكيته له قائمتان منذ بداية الخلق حتى نهايته وفي يوم القيامة، ولا يختص ذلك بيوم القيامة وحده، لكن هناك عوامل وأسباباً تؤثر في مسار هذه الدنيا وتقدمها نحو أهدافها، لذلك قد يغفل الإِنسان أحياناً عن وجود الله وراء هذه الأسباب والعوامل، أمّا في ذلك اليوم الذي تتعطل فيه جميع الأسباب والعوامل، فإِنّ حكومة الله ومالكيته تكونان أجلى وأوضح من أي وقت سابق، كما جاء في آية أُخرى: (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) (2).
فيما يتعلق بماهية "الصور" وكيف ينفخ فيه إِسرافيل فتموت الأحياء، ثمّ يعيد النفخ في الصور فيعود الجميع إِلى الحياة ويبدأ يوم القيامة - سوف نشرح ذلك إِن شاء الله - في تفسير الآية (68) من سورة الزمر.
وفي ختام الآية إِشارة إِلى ثلاث من صفات الله تعالى، فهو: (عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير).
ترد هذه الصفات غالباً في الآيات التي تخص يوم القيامة، أي أنّه بمقتضى صفة العلم المطلق عالم بأعمال عباده، وبمقتضى قدرته وحكمته يجازي كلا بما يستحقه.
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ قائما ﴿بِالْحَقِّ﴾ والحكمة ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ﴾ خبر لقوله ﴿قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾ أي تكوينه الحق والحكم حين تكون الأشياء وقيل نصب عطفا على السموات أو الهاء في اتقوه ﴿وَلَهُ الْمُلْكُ﴾ مختص به ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ﴾ قرن من نور التقمه إسرافيل ينفخ فيه وفيه بعدد كل إنسان ثقب فيها روحه ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ ما غاب وما شوهد ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ﴾ في أفعاله ﴿الْخَبِيرُ﴾ بكل شيء.