التّفسير
في هذه الآيات إِشارة إِلى النعم التي اسبغها الله على إِبراهيم، وهي تتمثل في أبناء صالحين وذرية لائقة، وهي من النعم الإِلهية العظيمة.
يقول سبحانه: (ووهبنا له إِسحاق ويعقوب) ولم تذكر الآية ابن إِبراهيم الآخر إِسماعيل، بل ورد اسمه خلال حديث آية تالية، ولعل السبب يعود إِلى أنّ ولادة إِسحاق من (سارة) العقيم العجوز تعتبر نعمة عجيبة وغير متوقعة.
ثمّ يبيّن أنّ مكانة هذين لم تكن لمجرّد كونهما ولدي نبي، بل لإِشعاع نور الهداية في قلبيهما نتيجة التفكير السليم والعمل الصالح: (كلاًّ هدينا).
ثمّ لكيلا يتصور أحد أنه لم يكن هناك من يحمل لواء التوحيد قبل إِبراهيم، وأنّ التوحيد بدأ بإِبراهيم، يقول: (ونوحاً هدينا من قبل).
إِنّنا نعلم أن نوحاً هو أوّل أُولي العزم من الأنبياء الذين جاؤوا بدين وبشريعة.
فالإِشارة إلى مكانة نوح، وهو من أجداد إبراهيم، والإِشارة إِلى فريق من الأنبياء من أبنائه وقبيلته، إِنّما هي توكيد لمكانة إِبراهيم المتميزة من حيث "الوراثة والأصل" و"الذّرية".
وعلى أثر ذلك ترد أسماء عدد من الأنبياء من أُسرة إِبراهيم: (ومن ذريّته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون)، ثمّ يبيّن أن منزلة هؤلاء ناشئة من أعمالهم الصالحة وهم لذلك ينالون جزاءهم: (وكذلك نجزي المحسنين).
هناك كلام كثير بين المفسّرين بشأن الضمير في (ومن ذرّيته) هل يعود إِلى إِبراهيم، أم إِلى نوح؟ غير أنّ أغلبهم يرجعه إِلى إِبراهيم، والظاهر أنّه لا مجال للشك في عودة الضمير إِلى إِبراهيم، لأنّ الكلام يدور على ما وهبه الله لإِبراهيم، لا لنوح (عليهما السلام)، كما أنّ الرّوايات التي سوف نذكرها تؤيد هذا الرأي.
النقطة الوحيدة التي حدت ببعض المفسّرين إِلى إِرجاع الضمير إِلى نوح هي ورود ذكر "يونس" و"لوط" في الآيات التّالية، إِذ المشهور في التّأريخ أنّ "يونس" لم يكن من أبناء إِبراهيم، كما أنّ "لوطاً" كان ابن أخي إِبراهيم أو ابن أُخته.
غير أنّ المؤرخين ليسوا مجمعين على نسب "يونس"، فبعضهم يراه من أُسرة إِبراهيم (1) وآخرون يرونه من أنبياء بني إِسرائيل (2).
ثمّ إِنّ الجاري عند المؤرخين أن يحفظوا النسب من جهة الأب، ولكن ما الذي يمنع من أن ينتسب "يونس" من جهة أُمّه إِلى إِبراهيم، كما هي الحال بالنسبة إِلى عيسى الذين نقرأ اسمه في الآيات؟
أمّا "لوط" فهو، وإِن لم يكن من أبناء إِبراهيم، فقد كان من أُسرته، فالعرب تطلق لفظة "لأب" على "العم"، وكذلك تعتبر ابن الأخ أو ابن الأُخت من "ذرية" المرء.
وعلى هذا ليس لنا أن نتغاضى من ظاهر هذه الآيات فنعيد الضمير إِلى نوح، وهو ليس موضوع القول هنا.
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ﴾ منهما أو منهم ﴿هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ﴾ قبل إبراهيم ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِهِ﴾ الهاء لنوح لقربه ولأن يونس ولوطا ليسا من ذرية إبراهيم وقيل لإبراهيم ومن ذكر في الآية الثالثة عطف على نوحا ﴿دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ﴾ أي كما جزيناهم ﴿نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.