سبب النّزول
جاء في تفسير مجمع البيان وتفسير الطبري وتفسير الآلوسي إنّ مشركاً إسمه النضربن الحارث قال: إِنّ اللآت والعزى (وهما من أصنام العرب المشهورة) سوف يشفعان لي يوم القيامة، فنزلت هذه الآية جواباً له ولأمثاله.
التّفسير
الضّالون:
أشارت الآية السابقة إِلى أحوال الظالمين وهم على شفا الموت، هنا في هذه الآية تعبير عن خطاب الله لهم عند الموت أو عند الورود إِلى ساحة يوم القيامة.
فيبدأ بالقول بأنّهم يأتون يوم القيامة منفردين كنا خلقوا منفردين: (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أوّل مرّة).
والأموال التي وهبناها لكم وكنتم تستندون إِليها في حياتكم، قد خلفتموها وراءكم، وجئتم صفر الأيدي: (وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم) (1).
ولا نرى معكم تلك الأصنام التي قلتم إِنّها سوف تشفع لكم وظننتم أنّها شريكة في تعيين مصائركم (وما نرى معكم شفعاء كم الذين زعتم أنّهم فيكم شركاء).
ولكن الواقع أنّ جمعكم قد تبدد، وتقطعت جميع الروابط بينكم: (لقد تقطع بينكم).
وكل ما ظننتموه وما كنتم تستندون إليه قد تلاشى وضاع: (وضلّ عنكم ما كنتم تزعمون).
كان المشركون العرب يستندون في حياتهم إِلى أشياء ثلاثة: القبيلة أو العشيرة التي كانوا ينتمون إِليها، والأموال التي جمعوها لأنفسهم، والأصنام التي اعتبروها شريكة لله في تقرير مصير الإِنسان وشفيعة لهم عند الله، والآية في كل جملة من جملها الثلاث تشير إِلى واحدة من هذه الأُمور، وإِلى أنّها عند الموت تودعه وتتركه وحيداً فريداً.
هنا ينبغي الإِلتفات إِلى نقطتين:
1 - نظراً لمجيء هذه الآية في أعقاب الآية السابقة التي تحدثت عن قيام الملائكة بقبض الأرواح عند الموت، وكذلك بالنظر إِلى عبارة (وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم)، نفهم أنّ هذا الكلام يقال لهم عند الموت أيضاً، ولكن من جانب الله، غير أنّ بعض الرّوايات تقول: إِنّ هذا الخطاب يوجه إِليهم يوم القيامة، على أي حال فإِنّ الهدف لا يختلف في الحالين.
2 - على الرغم من نزول هذه الآية بشأن مشركي العرب، فهي ليست بالطبع مقصورة عليهم.
ففي ذلك اليوم تنفصم العرى وتنفصل عن البشر كل الإِنشدادات المادية والمعبودات الخيالية المصطنعة وجميع ما اصطنعوه لأنفسهم في الحياة الدنيا ليكون سنداً لهم يستعينون به في يوم بؤسهم لا يبقى سوى الشخص وعمله، ويزول كل ما عدا ذلك، أو يضل عنهم بحسب تعبير القرآن وهو تعبير جميل يوحي بأنّ الشركاء سيكونون إِلى درجة من الصغر والحقارة والضياع أنّهم لايُروا بالعين.
﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى﴾ منفردين عن الأهل والمال ﴿كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ بدل منه أو حال مرادفة أو مداخلة أي مشبهين ابتداء خلقكم حفاة عراة غرلا ﴿وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ﴾ ما أعطيناكم من الأموال ﴿وَرَاء ظُهُورِكُمْ﴾ لم تحتملوا منه شيئا ولا قدمتموه ﴿وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ﴾ الأصنام ﴿الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء﴾ الله ﴿لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ وصلكم ﴿وَضَلَّ﴾ ضاع ﴿عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ من شفاعتها أو أن لا بعث.