ثمّ بعد ذكر هذه الإِستقامة الواضحة وهذا الإِيمان البارز يذكر القرآن الكريم نتيجة عملهم إِذ يقول: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل) وأية نعمة وأي فضل أعظم وأعلى من أن ينهزم الأعداء الخطرون أمامهم من دون أي صدام أو لقاء ويعود هؤلاء المقاتلون إِلى المدينة سالمين.
يبقى أن نعرف أن الفرق بين النعمة والفضل، يمكن أن يكون بأن النعمة هي الأجر بقدر الإِستحقاق والفضل هو النفع الزائد على قدر الإِستحقاق.
وتأكيداً لهذا الأمر يقول القرآن: (لم يمسسهم سوء) مضافاً إِلى أنّهم (اتّبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم) أنه فضل عظيم ينتظر المؤمنين الحقيقيين، والمجاهدين الصادقين.
التّربية الإِلهية وعطاؤها السّريع:
إِنّ مقارنة معنوية المسلمين في معركة "بدر" بمعنويتهم في حادثة "حمراء الأسد" التي مرّ تفصيلها، أمر يدعو إِلى الإِعجاب لدى المرء، إِذ كيف استطاعت جماعة منكسرة لا تملك المعنوية العالية، ولا العدد البشري الكافي، مع ما يحمل أفرادها من الجراحات الثقيلة والإِصابات الفادحة أن تغير ملامحها في مدّة قد لا تزيد على يوم وليلة، فتستعد وعلى درجة عالية من العزم والإِرادة لطلب العدو وملاحقته، ومواجهته مرة اُخرى إِلى درجة أن القرآن الكريم يقول عنهم: (الَّذينَ قال لهم النّاس إن النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إِيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) ثمّ استقاموا وصمدوا.
هذا هو أثر الإِيمان بالهدف، فكلّما ازدادت مصائب الإِنسان المؤمن وازدادت مشكلاته ازدادت استقامته، وتضاعف ثباته، وشحذت عزيمته، وفي الحقيقة تهيأت كل قواه المعنوية والمادية وتعبأت لمواجهة الخطر.
إِن هذا التغير العجيب، وهذا التحول السريع والعظيم في مثل هذه المدّة القصيرة يوقف الإِنسان على مدى سرعة تأثير ال تربية القرآنية وعمقها، ومدى فاعلية البيان النبوي الأخّاذ الذي يكاد يكون معجزة
﴿فَانقَلَبُواْ﴾ رجعوا من بدر ﴿بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ﴾ بعافية وزيادة إيمان ﴿وَفَضْلٍ﴾ ربح من التجارة التي وافوا بها سوق بدر ﴿لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾ من كيد عدو ﴿وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾.