لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير الموت وقانونه العام: تعقيباً على البحث حول عناد المعارضين وغير المؤمنين تشير هذه الآية إِلى قانون "الموت" العام وإِلى مصير الناس في يوم القيامة، ليكون ذلك تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين، وتحذيراً - كذلك - للمعارضين العصاة. يفهذه الآية تشير - أوّ - إِلى قانون عام يشمل جميع الأحياء في هذا الكون وتقول: (كل نفس ذائقة الموت). والناس، وإِن كان أكثرهم يحب أن ينسى مسألة الفناء ويتجاهل الموت، ولكن هذا الأمر حقيقة واقعة إِن حاولنا تناسيها والتغافل عنها، فهي لا تنسانا، ولا تتغافل عنّا. إِنّ لهذه الحياة نهاية لا محالة، ولابدّ أن يأتي ذلك اليوم الذي يزور فيه الموت كل أحد، ولا يكون أمامه - حينئذ - إِلاّ أن يفارق هذه الحياة. إِن المراد من "النفس" في هذه الآية هو مجموعة الجسم والروح، وإِن كانت النفس في القرآن تطلق أحياناً على خصوص "الرّوح" أيضاً. والتعبير بالتذوق إِشارة إِلى الإِحساس الكامل، لأن المرء قد يرى الطعام بعينيه أو يلمسه بيده، ولكن كل هذه لا يكون - والأحرى لا يحقق الإحساس الكامل بالشيء، نعم إِلاّ أن يتذوق الطعام بحاسة الذوق فحينئذ يتحقق الإِحساس الكامل، وكأن الموت - في نظام الخلقة - نوع من الغذاء للإِنسان والأحياء. ثمّ تقول الآية بعد ذلك (وإِنّما توفون أجوركم يوم القيامة) أي أنّه ستكون بعد هذه الحياة مرحلة أُخرى هي مرحلة الثواب والعقاب، وبالتالي الجزاء على الأعمال، فهنا عمل ولا حساب وهناك حساب ولا عمل. وعبارة "توفون" التي تعني إِعطاء الجزاء بالكامل تكشف عن إِعطاء الإِنسان أجر عمله - يوم القيامة - وافياً وبدون نقيصة، ولهذا لا مانع من أن يشهد الإِنسان - في عالم البرزخ المتوسط بين الدنيا والآخرة - بعض نتائج عمله، وينال قسطاً من الثواب أو العقاب، لأن هذا الجزاء البرزخي لا يشكل الجزاء الكامل. ثمّ قال سبحانه: (فمن زحزح عن النّار واُدخل الجنّة فقد فاز). وكلمة "زحزح" تعني محاولة الإِنسان لإِخراج نفسه من تحت تأثير شيء، وتخليصها من جاذبيته تدريجاً. وأمّا كلمة "فاز" فتعني في أصل اللغة "النجاة" من الهلكة، ونيل المحبوب والمطلوب. والجملة بمجموعها تعني أنّ الذين استطاعوا أن يحرروا أنفسهم من جاذبية النّار ودخلوا الجنّة فقد نجوا من الهلكة، ولقوا ما يحبونه، وكأن النّار تحاول بكلّ طاقتها أن تجذب الأدميين نحو نفسها... حقّاً أنّ هناك عوامل عديدة تحاول أن تجذب الإِنسان إِلى نفسها، وهي على درجة كبيرة من الجاذبية. أليس للشهوات العابرة، واللذات الجنسية الغير المشروعة، والمناصب، والثروات الغير المباحة مثل هذه الجاذبية القوية؟؟ كما أنّه يستفاد من هذا التعبير أن الناس ما لم يسعوا ويجتهدوا لتخليص أنفسهم وتحريرها من جاذبية هذه العوامل المغرية الخداعة فإِنّها ستجذبهم نحو نفسها تدريجاً، وسيقعون في أسرها في نهاية المطاف. أمّا إذا حاولوا من خلال تربية أنفسهم وترويضها، وتمرينها على مقاومة هذه الجواذب والمغريات وكبح جماحها، وبلغوا بها إِلى مرتبة "النفس المطمئنة" كانوا من النّاجين الواقعيين، الذين يشعرون بالأمن والطمأنينة. ثمّ يقول سبحانه في نهاية هذه الآية: (وما الحياة الدّنيا إلاّ متاع الغرور). وهذه الجملة تكمل البحث السابق وكأنها تقول: إنّ هذه الحياة مجرّد لهو ومتاع تخدع الإِنسان من بعيد، فإِذا بلغ إليها الإِنسان ونال منها ولمسها عن كثب وجدها - على الأغلب - فراغاً في فراغ وخواء في خواء، وما متاع الغرور إلاّ هذا. هذا مضافاً إلى أن اللذَائذ المادية تبدو من بعيد وكأنها خالصة من كل شائبة، وخالية من كل ما يكدرها، حتى إذا اقترب إليها الإِنسان وجدها ممزوجة بكل ألوان العناء والعذاب، وهذا جانب آخر من خداع الحياة المادية. كما أنّ الإِنسان ينسى - في أكثر الأحيان - طبيعته الفانية، ولكنه سرعان ما ينتبه إِلى أنّها سريعة الزوال، قابلة للفناء. إنّ هذه التعابير قد تكررت في القرآن والأحاديث كثيراً، والهدف منها جميعاً شيء واحد هو أن لا يجعل الإِنسان هذه الحياة المادية ولذاتها العابرة الفانية الزّائلة هدفه الأخير، ومقصده الوحيد النّهائي الذي تكون نتيجته الغرق والإِرتطام في شتى ألوان الجريمة والمعصية، والإِبتعاد عن الحقيقة وعن التكامل الإِنسانى، وأمّا الإِنتفاع بالحياة المادية ومواهبها كوسيلة للوصول إِلى التكامل الإِنساني والمعنوي فليس غير مذموم فقط، بل هو ضروري وواجب. ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ تعطون جزاء أعمالكم ﴿فَمَن زُحْزِحَ﴾ نجي ﴿عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ فاز ظفر بالبغية ﴿وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ وشهوتها ﴿إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.