ثمّ أن هؤلاء العقلاء يطلبون من ربّهم في نهاية المطاف، وبعد أن يسلكوا طريق الإِيمان والتوحيد وإجابة دعوة الأنبياء والقيام بالواجبات الموجهة إِليهم، أن يؤتيهم وعدهم على لسان الرسل فيقولون: (ربّنا أتنا ما وعدتنا على رسلك)أي ربّنا لقد وفينا بالتزاماتنا، فأتنا ما وعدتنا عن طريق أنبيائك ورسلك ولا تفضحنا ولا تلحق بنا الخزي يوم القيامة: (ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد).
إِنّ التركيز على "الخزي" يؤكّد مرّة أُخرى هذه الحقيقة الهامّة، وهي أن هؤلاء بسبب ما يرون لشخصيتهم من أهمية واحترام يعتبرون "الخزي" من أشد ما يلحق بالإِنسان من الأذى، ولهذا يركزون عليه دون سواه من ألوان العقوبات.
يوفي مستدرك الوسائل نق عن أبي الفتوح الرّازي في تفسيره، أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من كان له إِلى الله حاجة فليقل خمس مرات ربّنا يعطى حاجته، ومصداق ذلك في كلام الله في قوله تعالى: (يربّنا ما خلقت هذا باط) إِلى آخر الآيات فيها ربّنا خمس مرّات ثمّ قال تعالى: (فاستجاب لهم ربّهم)(7).
ومن الواضح الذي لا يخفى أن التأثير الواقعي والعميق لهذه الآيات، إِنما يتحقق إِذا وافق اللسان في ما يقوله القلب والعمل، وأن يحل مضمون هذه الآيات الذي يكشف عن طريقة تفكير اُولي الألباب وشدّة حبّهم لله، وإِحساسهم بالمسؤوليات الملقاة على عواتقهم، والقيام بواجباتهم، في فؤاد قارئها وقلبه، فيحصل له نفس ذلك الخضوع والخشوع الحاصل لأُولي الألباب عند مناجاتهم لله، وتضرعهم إليه.
﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾ على تصديقهم من الثواب أو على ألسنتهم، أو متعلق بمحذوف أي ما وعدتنا منزلا على رسلك ﴿وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ لا تفضحنا أو لا تهلكنا ﴿إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ بإثابة المؤمن وإجابة الداعي، وتكرير ربنا للمبالغة في السؤال والابتهال أو باستقلال الطلبات.