لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النزول هذه الآية تعقيب على الآيات السابقة حول أُولي الألباب والعقول النّيرة ونتيجة أعمالهم، والشروع بفاء التفريع - في هذه الآية - أوضح دليل على هذا الإِرتباط، ومع ذلك ذكرت أسباب نزول متعددة لها في الأحاديث وأقوال المفسرين، لكنها لا تنافي - في حقيقتها - الإِرتباط الذي ذكرناه لهذه الآية مع الآيات السابقة. ومن جملة ذلك ما نقل عن أمّ سلمة (وهي إحدى زوجات النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ) أنّها قالت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا رسول الله ما بال الرجال يذكرون في الهجرة دون النساء؟ فأنزل الله هذه الآية. كما نقل أيضاً أنّ عليّاً(عليه السلام) لما هاجر بالفواطم (وهن فاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفاطمة بنت الزبير) من مكّة إِلى المدينة، ولحقت به أُم أيمن - وهي إحدى زوجات النّبي المؤمنات - في أثناء الطريق نزلت الآية الحاضرة(1). والمسألة كما قلناه، فإِن الأسباب المذكورة لنزول الآية لا تنافي الإرتباط الذي أشرنا إليه بين هذه الآية. والآيات السابقة، كما أنه لا تنافي أيضاً بين هذين السببين المذكورين للآية أيضاً. التّفسير النّتيجة الطّيبة لموقف أولي الألباب: في الآيات الخمس الآنفة استعرض القرآن الكريم موجزاً من إِيمان أُولي الألباب والعقول النّيرة، وبرامجهم العملية، وطلباتهم وأدعيتهم، وفي هذه الآية يقول سبحانه: (فاستجاب لهم ربّهم)، والتعبير بلفظة "ربّهم" حكاية عن غاية ياللّطف، ومنتهى الرحمة الإِلهية بالنسبة إليهم، ثمّ يضيف قائ: (إِنّي لا أُضيع عمل عامل منكم) دفعاً للإِشتباه والتوهم الذي قد يسبق إِلى الذهن بأنه لا ارتباط بين الفوز والنجاة، وبين أعمال الإِنسان ومواقفه، ففي هذه العبارة إِشارة واضحة إِلى أصل "العمل"، وإِشارة أيضاً إِلى عامله، حتى يتبيّن أن الملاك والمحور الأصلي لقبول الدعاء وإستجابته هو الأعمال الصالحة الناشئة من الإِيمان، وأنّ الأدعية التي تستجاب فوراً هي تلك التي يدعمها العمل الصالح. ثمّ أنّه سبحانه يقول: (من ذكر أو أُنثى، بعضكم من بعض)، وهذا لأجل أن لا يتصور أحد أنّ هذا الوعد الإِلهي يختص بطائفة معينة كالذكور دون الإِناث يمث، فلا فرق في هذا الأمر بين أن يكون العامل ذكراً أو يكون أُنثى، لأنّ الجميع يعودون في أصل الخلقة إِلى مصدر واحد (بعضكم من بعض) أي تولد بعضكم من بعض، النساء من الرجال، والرجال من النساء، فلا تفاوت في هذه المسألة إِذن بين الذكر أو الاُنثى، فلماذا يكون تفاوت في الجزاء والثواب؟ ويمكن أن تكون عبارة (بعضكم من بعض) إشارة إلى أنّكم جميعاً أتباع دين واحد، ورواد منهج واحد وأنصار حقيقة واحدة، فلا معنى لأن يفرق الله سبحانه بين جماعة واُخرى ويميز بين طائفة وطائفة، وجنس وآخر. ثمّ أنّه سبحانه يستنتج من ذلك إِذ يقول: (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم واُوذوا في سبيلي، وقاتلوا وقتلوا لأُكفّرن عنهم سيئاتهم)، أي أنّ الله يسبحانه كتب على نفسه أن يغفر لهؤلاء ذنوبهم، جاع من هذه المشاق والمتاعب التي نالتهم كفارة لذنوبهم، ليطهروا من أدرانها تطهيراً. ثمّ يقول تعالى: (ولأدخلنّهم جنات تجري من تحتها الأنهار) مضافاً إِلى غفران ذنوبهم والتكفير عنهم. وهذا هو الثواب الإِلهي لهم على ماقاموا به من تضحية وفداء (ثواباً من عندالله والله عنده حسن الثواب)... إِنّ لهم أفضل الأجر عند الله وأحسنه، وقوله: (والله عنده حسن الثواب) إشارة إِلى أنّ الأجر الإِلهي والمثوبات الإِلهية ليست قابلة للوصف للناس بشكل كامل في هذه الحياة، بل يكفي أن يعلموا بأنّه أفضل وأعلى من أي ثواب. هذا ويستفاد - جيداً - من هذه الآية أن الإِنسان لابدّ أن يتطهّر من أدران يالذنوب في ظل العمل الصالح أوّ، ثمّ يدخل في رحاب القرب الرّباني والنعيم يالإِلهي، لأنّه سبحانه قال أوّ: (لأُكفّرن عنهم سيئاتهم) ثمّ قال: (لأدخلنّهم جنّات). وبعبارة اُخرى: أنّ الجنّة مقام المتطهرين، ولا طريق لمن لم يتطهر إِليها. القيّمة المعنويّة للرّجل والمرأة: إِن الآية الحاضرة - كبقية الآيات القرآنية الاُخرى - تساوي بين الرجل والمرأة عند الله، وفي مسألة الوصول إِلى الدرجات المعنوية، ولا تفرق بينهما بسبب اختلافهما في الجنس، ولا تعتبر الفروق العضوية وما يلحقها من الفروق يفي المسؤوليات الإِجتماعية دلي على اختلافهما في إِمكانية الحصول على درجات التكامل الإِنساني وبلوغهما للمقامات المعنوية الرفيعة، بل تعتبرهما في مستوى واحد - من هذه الجهة - ولذلك ذكرتهما معاً. إِن اختلافهما في التكاليف وتوزيع المسؤوليات يشبه إِلى حد كبير الإِختلاف الذي تقتضيه مسألة النظام والإِنضباط حيث يختار شخص كرئيس، وآخر كمعاون ومساعد، فإِنّه ينبغي أن يكون الرئيس أكثر حنكة وأوسع علماً، وأكثر تجربة في مجال عمله، ولكن هذا التفاوت والإِختلاف في مراتب يالمسؤولية وسلم الوظائف لا يكون دلي مطلقاً على أن شخصية الرئيس وقيمته الوجودية أكثرمن شخصية معاونيه ومساعديه، وقيمتهم الوجودية. إِنّ القرآن الكريم يقول بصراحة: (ومن عمل صالحاً من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن فأُولئك يدخلون الجنّة، يرزقون فيها بغير حساب)(2). ويقول في آية اُخرى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)(3). هذه الآيات وغيرها من الآيات القرآنية الاُخرى نزلت في عصر كان المجتمع البشري فيه يشك في إِنسانية جنس المرأة أساساً، بل ويعتقد أنها كائن ملعون، وأنها منبع كل إِثم وإنحراف وموت وفساد. لقد كان الكثير من الشعوب الماضية تذهب في نظرتها السلبية تجاه المرأة إِلى درجة أنها تعتقد أحياناً إِنّ عبادة المرأة وما تقدمه في سبيل الله لا تقبل، وكان الكثير من اليونانيين يعتقدون أنّ المرأة كائن نجس وشرير وأنّها من عمل الشّيطان، وكان الرّوم وبعض اليونانيين يعتقدون أنّ المرأة ليست ذات روح إِنسانية أساساً، وأن الرجل وحده هو الذي يحمل بين جنبيه مثل هذه الروح دون غيره. والملفت للنظر أن العلماء المسيحيين في أسبانيا كانوا يبحثون - حتى إِلى الآونة الأخيرة - في أن المرأة هل تملك - مثل الرجل - روحاً إِنسانية أم لا؟ وأن روحها هل تخلد بعد الموت أم لا؟ وقد توصلوا - بعد مداولات طويلة - إِلى أن للمرأة روحاً برزخية، وهي نوع متوسط بين الروح الإِنسانية والروح الحيوانية، وأنه ليس هناك روح خالدة - بين أرواح النساء - إِلاّ روح مريم(4). من هنا يتضح مدى ابتعاد بعض المغفلين عن الحقيقة حيث يتهمون الإِسلام أنّه دين الرجال دون النساء. إِنّ بعض الإِختلاف في نوع المسؤوليات الإِجتماعية الذي يقتضيه اختلافات في التركيب العضوي والعاطفي لدى الرجل والمرأة لا يضرّ بالمرأة وقيمتها المعنوية أساساً، ولهذا لا يختلف الرجل والمرأة من هذه الجهة، فأبواب السعادة والتكامل الإِنساني مفتوحة في وجهيهما كليهما على السواء كما ذكرنا ذلك عند البحث في قوله تعالى: (بعضكم من بعض). ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ﴾ ما طلبوا ﴿أَنِّي﴾ بأني ﴿لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى﴾ بيان لعامل ﴿بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾ بجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد أو الإسلام ﴿فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ﴾ الشرك أو أوطانهم أو قومهم للدين ﴿وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي﴾ من أجل ديني وبسببه ﴿وَقَاتَلُواْ﴾ المشركين ﴿وَقُتِلُواْ﴾ واستشهدوا والواو لا توجب الترتيب إذ المراد لما قيل لهم قاتلوا ﴿لأُكَفِّرَنَّ﴾ لأمحون ﴿عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ﴾ يستحقونه منه ﴿وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾ على الأعمال لا يقدر عليه أحد سواه.