سبب النزول
كان أكثر مشركي مكّة أهل تجارة، وقد كانوا يحصلون من هذا الطريق على ثروة ضخمة، يتنعمون بها، وهكذا كان يهود المدينة أهل تجارة، وكانوا يعودون من رحلاتهم التّجارية على الأغلب موفورين، في حين كان المسلمون بسبب أوضاعهم الخاصّة، لا سيما بسبب الهجرة، والحصار الذي كان مشركو مكّة قد فرضوه عليهم، يعانون من وضع إِقتصادي صعب جداً، وبكلمة واحدة كانوا يعيشون في عسرة شديدة.
فكانت مقارنة هاتين الحالتين تطرح على البعض السّؤال التالي: كيف يتنعّم أعداء الله في العيش الرخي، بينما يقاسي المؤمنون ألم الجوع والفقر المدقع؟
فنزلت الآيات الحاضرة تجيب على هذا التساؤل(1).
التّفسير
سؤال مزعج:
السّؤال الذي مرّ ذكره في سبب نزول هذه الآيات والذي كان يطرحه بعض يالمسلمين في عصر النّبي يعتبر سؤا عاماً يطرح نفسه على الناس في كل زمان ومكان.
فإِنّهم يرون كيف يتنعم العصاة والطّغاة، والفراعنة والفسّاق، ويرفلون في النعيم، ويعيشون الحياة الرفاهية، والرخاء العريض، ويقيسونه - غالباً - بحياة الشدّة والعسرة التي يعيشها جماعة من المؤمنين، ويقولون متسائلين: كيف ينعم أُولئك العصاة - مع ما هم عليه من الإِثم والفساد والجريمة - بمثل تلك الحياة الرخية، بينما يعيش هؤلاء - مع ما هم عليه من الإِيمان والتقوى والصلاح - في مثل هذه الشدّة والعسرة، وربّما أدى هذا الأمر ببعض ضعفاء الإِيمان إِلى الشك والتّردد.
ولو أنّنا درسنا هذا السؤال بصورة دقيقة وجيدة، وحللنا عوامل الأمر وأسبابه في كلا الجانبين، لظهرت أجوبة كثيرة على هذا التساؤل، وقد أشارت هذه الآيات إِلى بعضها، ويمكننا الوقوف على بعضها الآخر بشيء من التأمل والفحص.
تقول الآية الأُولى من هذه الآيات: (لا يغرّنّك تقلب الذين كفروا في البلاد)والمخاطب في هذه الآية وإِن كان شخص النّبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، إِلا أنه من الواضح البيّن أن المراد هو عموم المسلمين.
﴿لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ﴾ خطاب للنبي أريد به الأمة أو لكل أحد أي لا تنظر إلى ما هم عليه من السعة والحظ أو لا تغتر بما ترى من تصرفهم في البلدان يتكسبون فتقلبهم.