التّفسير
فئة مغرورة:
يبدو من تاريخ اليهود - مضافاً لما أخبر القرآن عنه - أن هؤلاء القوم كانوا يعتبرون أنفسهم فئة متميزة في العنصر، ومتفوقة على سائر الأجناس البشرية، وكانوا يعتقدون أن الجنّة خلقت لهم لا لسواهم، وأن نار جهنم لن تمسّهم، وأنّهم أبناء الله وخاصته، وأنّهم يحملون جميع الفضائل والمحاسن.
هذا الغرور الأرعن تعكسه كثير من آيات الذكر الحكيم الآية من سورة المائدة تقول عن لسانهم: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾.
وفي الآية111 من سورة البقرة نرى إدعاءً آخر لهم: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصارَى﴾، وهكذا في الآية 80 من سورة البقرة: ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلاَّ أَيّاماً مَعْدُودَةً﴾.
هذه التصورات الموهومة كانت تدفعهم من جهة إلى الظلم والجريمة والطغيان، وتبعث فيهم - من جهة اُخرى - الغرور والتكبّر والإستعلاء.
والقرآن الكريم يجيب هؤلاء القوم جواباً دامغاً إذ يقول: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
ألا تحبّون رحمة الله وجواره ونيل النعيم الخالد في الجنان؟ ألا يحب الحبيب لقاء حبيبه؟!
لقد كان اليهود يهدفون من كلامهم هذا وأن الجنّة خالصة لنا دون سائر النّاس: أو أن النار لاتمسّنا إلاّ أيّاماً معدودات - إلى توهين إيمان المسلمين وتخدير عقائدهم.
لماذا تفرون من الموت، وكل ما في الآخرة من نعيم هو لكم كما تدّعون؟! لماذا هذا الإِلتصاق بالأرض وبالمصالح الذاتية الفردية، إن كنتم مؤمنين بالآخرة وبنعيمها حقّاً؟!
بهذا الشكل فضح القرآن أُكذوبة هؤلاء وبيّن زيف ادعائهم.
﴿قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ﴾ الجنة ونعيمها ﴿عِندَ اللّهِ خَالِصَةً﴾ خاصة بكم كما زعمتم ﴿مِّن دُونِ النَّاسِ﴾ للجنس أو العهد وهم المسلمون ﴿فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ لأن من أيقن الجنة اشتاقها وتمنى التخلص من دار الفناء والهوان وفي التوراة مكتوب إن أولياء الله يتمنون الموت.