لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير هذه الآية هي آخر الآيات من سورة آل عمران، وتحتوي على برنامج يتكون من أربع نقاط لعامّة المسلمين، وهي لذلك تبدأ بتوجيه الخطاب إِلى المؤمنين إِذ تقول: (يا أيّها الذين آمنوا). 1 - "اصبروا": إِن أوّلمادة في هذا البرنامج الذي يكفل عزّة المسلمين وانتصارهم هو الإِستقامة والثبات، والصبر في وجه الحوادث الذي هو - في الحقيقة - أصل كلّ نجاح مادي، وعلّة كل انتصار معنوي، وهو الأمر الذي ييستحق حديثاً مفص لما له من أثر جدّ مهم في الإِنتصارات والنجاحات الفردية والإِجتماعية، وهو الذي قال عنه الأِمام علي(عليه السلام) في حكمه وكلماته القصار: "إِن الصبر من الإِيمان كالرأس من الجسد". 2 - "وصابروا" وهي من المصابرة (من باب المفاعلة) بمعنى الصبر والإِستقامة والثبات في مقابل صبر الآخرين وثباتهم واستقامتهم. يوعلى هذا فإِن القرآن يوصي المؤمنين أوّ بالصبر والإِستقامة (التي تشمل كل ألوان الجهاد، كجهاد النفس، والاستقامة في مواجهة مشاكل الحياة)، ثمّ يوصي ثانياً بالصبر والثبات والإِستقامة أمام الأعداء، وهذا بنفسه يفيد أن الأُمّة ما لم تتغلب وتنتصر في جهادها مع النفس، وفي إِصلاح ما بها من نقاط الضعف الداخلية يستحيل انتصارها على الأعداء، وهذا يعني أن أكثر هزائمها أمام أعدائها إِنّما هي بسبب ما لحق بها من هزائم في جبهة الجهاد مع النفس وما أصابها من إخفاقات في إصلاح نقاط الضعف التي تعاني منها. كما وأنّه يستفاد من هذا التعليم "صابروا" أن على المسلمين أن يضاعفوا من صبرهم ومن ثباتهم كلما ضاعف العدو من صبره وثباته ومقاومته وعناده. 3 - "ورابطوا" وهذه العبارة مشتقة من مادة "الرباط" وتعني ربط شيء في مكان (كربط الخيل في مكان)، ولهذا يقال لمنزل المسافرين "الرباط"، ويقال أيضاً ربط على قلبه بمعنى أنّه أعطاه السكينة، وملأه بالطمأنينة وكأن قلبه انشد إِلى مكان، وارتكز على ركن وثيق، و"المرابطة" بمعنى مراقبة الثغور وحراستها لأن فيها يربط الجنود أفراسهم. وهذه العبارة أمر صريح إِلى المسلمين بأن يكونوا على استعداد دائم لمواجهة الأعداء، وأن يكونوا في حالة تحفز وتيقظ ومراقبة مستمرة لثغور البلاد الإِسلامية وحدودها حتى لا يفاجأوا بهجمات العدوّ المباغتة، كما أنّه حثّ على التأهب الكامل لمواجهة الشيطان، والأهواء الجامحة حتى لا تباغتهم وتأخذهم على حين غرّة وغفلة، ولهذا جاء في بعض الأحاديث عن الإِمام علي(عليه السلام) تفسير المرابطة بانتظار الصلاة بعد الصلاة، لأن من حافظ على يقظة روحه وضميره بهذه العبادات المستمرة المتلاحقة، كان كالجندي المتأهب لمواجهة الأعداء على الدّوام. وخلاصة القول: إِن للمرابطة معنىً وسيعاً يشمل كل ألوان الدفاع عن النفس والمجتمع. ثمّ إنّ هناك في الفقه الإِسلامي باباً خاصّاً - في كتاب الجهاد - تحت عنوان "المرابطة" بمعنى الإِستعداد والتأهب الكامل في الثغور لحراستها وحمايتها وحفظها أمام حملات الأعداء الإِحتمالية، وقد ذكرت لها أحكام خاصّة يقف عليها كل من راجع الكتب الفقهية. هذا وقد أطلق على العلماء - كما في بعض الأحاديث - صفة المرابط، فعن الإِمام الصادق(عليه السلام): "علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إِبليس وعفاريته، ويمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط عليهم إِبليس... "(1). وتعتبر نهاية هذا الحديث العلماء أعلى مكانة من الجنود والقادة الذين يحرسون الثغور ويذبون عنها أعداء الإِسلام. وما ذلك إِلاّ أن العلماء حماة الدين وحرّاسه والأمناء المدافعون عن القيم الإِسلامية، والجنود حماة الثغور الجغرافية، ومن الثابت المسلم به أن الثغور الفكرية والثقافية لأُمّة من الأمم لو تعرضت لكيد الأعداء، ولم تستطع الذّب عنها بنجاح، فإِنّها سرعان ما تصبيها الهزائم العسكرية والسياسية أيضاً. 4 - (واتّقوا الله) وهذا بالتالي آخر التعاليم والأوامر في هذا البرنامج، وهو بمثابة المظلة الواقية لما سبقها من التعاليم أنّه حثّ على التقوى، ولابدّ للإِستقامة والمصابرة والمرابطة من أن تمتزج بعنصر التقوى، ولا يشوبها شيء من أنانية أو رياء أو أغراض شخصية. (لعلّكم تفلحون) وهكذا تختم الآية هذا البرنامح بذكر النّتيجة التي تنتظر كلّ من يطبق هذا البرنامج، إِنه الفلاح والنجاح الذي يمكنكم الوصول إِليه عبر الأخذ بهذه التعاليم والأوامر، وإلاّ فلن تحصلوا على شيء من النجاح والإِنتصار. سؤال: هناك سؤال يطرح نفسه وهو: لماذا تبدأ بعض العبارات والجمل القرآنية بلفظة "لعل" مثل قوله تعالى (لعلّكم تفلحون)، و(لعلّكم تتقون)، و(لعلّكم ترحمون) وهي كما نعلم تفيد الترديد الذي لا يليق بالله سبحانه العالم بكل شيء. وقد صارت هذه المسألة ذريعة بأيدي بعض أعداء الإِسلام الذين انطلقوا يقولون: إِن الإِسلام لا يعطي وعوداً قطعية بالثواب، فوعوده مرددة غير مجزوم بها، لأنها تبدأ - في أغلبها - بلعلّ. الجواب: من حسن الإِتفاق أن هذا النمط من التعبير يشكّل جانباً من عظمة هذا الكتاب العزيز، وواقعيته في النظرة إِلى الأُمور وفي بيانها، ذلك لأن القرآن استخدم هذه اللفظة في كل مقام يتوقف الإِستنتاج فيه على شرائط ومقدمات قد يأشار إِليها ولوح بها إِجما بلفظة "لعل". فالسكوت عند الإِستماع إِلى القرآن والإِنتباه والتوجه إِلى ألفاظ الآيات يالقرآنية مث لا يكفي - بمجرده - لإِحراز الرحمة الإِلهية، بل لابدّ من فهم الآيات ودرك معانيها، ومقاصدها، وتطبيق توصياتها، وتعاليمها وأوامرها ونواهيها، ولهذا يعلق سبحانه شمول الرحمة بقوله: (وإِذا قرىء القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلّكم ترحمون)(2). وعلى هذا الأساس لو كان القرآن يقول أنكم سترحمون حتماً كان بعيداً عن الواقعية، لأنّ لتحقق هذا الموضوع كما قلنا شرائط أُخرى أيضاً، فيكون التعبير يالجازم تجاه لهذه الشرائط، ولكنّه إِذا قال "لعلّكم" فإِنّه يكون قد أخذ تلك الشرائط بنظر الإِعتبار وحسب لها حسابها. بيد أن عدم الإِلتفات إِلى هذه الحقيقة جرّ البعض إِلى الإعتراض على مثل هذا التعبير في الآيات القرآنية إِلى درجة أن بعض علمائنا - أيضاً - ذهب إِلى القول بأن "لعل" ليست مستعملة في مثل هذه الموارد في معناها الحقيقي، وهذا كما ترى خلاف للظاهر دونما دليل. وفي المقام نجد الآية الحاضرة مع أنها أشارت إِلى أربع نقاط من أهم التعاليم الإِسلامية، ولكن حتى لا يغفل المسلمون عن بقية البرامج والتعاليم الإِسلامية البناءة استخدمت كلمة "لعل" للإِيذان بأن هناك أيضاً من الظروف والشرائط ما له دخل في تحقق هذه الرحمة ينبغي أن تؤخذ بعين الإِعتبار. وعلى كلّ حال لو أن المسلمين اليوم جعلوا الآية الحاضرة شعارهم ومنهجهم في حياتهم اليومية وطبقوا مفادها لإنحل الكثير من مشاكلهم التي يعانون منها الآن بشدّة. إِن الضربات الموجعة التي يتلقاها الإِسلام والمسلمون اليوم ليست - في الحقيقة - إِلاّ بسبب تجاهل هذه التوصيات الإِسلامية الأربع أو تناسيها كلّها أو بعضها. ولو أنّ المسلمين أعادوا إِلى نفوسهم روح الثبات والإِستقامة، ولو أنّهم ضاعفوا جهودهم في مقابل مضاعفة الأعداء لجهودهم، ولو أنّهم - حسب ما في هذه الآية - شددوا من مراقبتهم للثغور الجغرافية والفكرية والإِعتقادية وحافظوا على حالة الإِستعداد والتأهب الدائمة لمواجهة أي خطر داهم، أو أي عدوّ مباغت، ولو أنّهم - فوق كل هذا - تسلحوا بسلاح التقوى والورع، أفراداً وجماعات، وطهروا بيئاتهم من أدران الفساد لضمنوا النصر والظفر. رباه، وفقنا جميعاً للأخذ بتعاليم كتابك السماوي العزيز في حياتنا، وجد علينا برحمتك الواسعة، ومنَّ علينا بلطفك، آمين يا أرحم الراحمين ويا ربّ العالمين. نهاية سورة آل عمران ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ﴾ على المصائب ومشاق التكاليف وعن المعاصي ﴿وَصَابِرُواْ﴾ على الفرائض أو غالبوا عدوكم في الصبر على القتال أو على مخالفة الهوى ﴿وَرَابِطُواْ﴾ على الأئمة أو على الصلاة أي انتظروا الصلاة بعد الصلاة أو أقيموا في الثغور رابطين خيولكم مستعدين للغزو ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ﴾ فيما أمركم به وافترض عليكم ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ لكي تظفروا بالبغية.