لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
فيقول أوّلا: إِنّ وزن الأعمال يوم القيامة أمر واقع لا ريب فيه: (والوزن يومئذ الحق) (5). ما هو ميزان الأعمال يوم القيامة؟ لقد وقع كلام كثير بين المفسّرين والمتكلمين حول كيفية وزن الأعمال يوم القيامة، وحيث أنّ البعض تصور أن وزن الأعمال وميزانها في يوم القيامة يشبه الوزن والميزان المتعارف في هذه الحياة، ومن جانب آخر لم يكن للأعمال البشرية وزن، وخفة وثقل يمكن أن يُعرَف بالميزان، لهذا لابدّ من حلّ هذه المشكلة عن طريق فكرة تجسم الأعمال، أو عن طريق أن الأشخاص أنفسهم يوزنون بدل أعمالهم في ذلك اليوم. حتى أنّه روي عن "عبيد بن عمير" أنه قال: "يؤتى بالرجل الطويل العظيم فلا يزن جناح بعوضة" إِشارة إِلى أن أُولئك الأشخاص كانوا في الظاهر أصحاب شخصيات كبيرة، وأمّا في الباطن فلم يكونوا بشيء (6)ولكن لو تركنا مسألة المقارنة والمقايسة بين الحياة في ذلك العالم والحياة في هذا العالم، وعلمنا بأن كل شيء في تلك الحياة يختلف عمّا عليه في حياتنا هذه، تماماً مثلما تختلف أوضاع الفترة الجنينية عن أوضاع الحياة الدنيا، وعلمنا - أيضاً - أنّه ليس من الصحيح أن نبحث - في فهم معاني الألفاظ - عن المصاديق الحاضرة والمعينة دائماً، بل لابدّ أن ندرس المفاهيم من حيث النتائج، اتضحت وانحلت مشكلة "وزن الأعمال في يوم القيامة". وتوضيح الأمر هو: أننا لو كنا نتلفظ فيما مضى من الزمن بلفظ المصباح كان يتبادر إِلى ذهننا صورة وعاء خاص فيه شيء من الزيت، ونصب فيه فتيل من القطن. وربّما أيضاً تصوَّرنا زجاجة وضعت على النّار لتحفظها من الإِنطفاء بسبب الرياح، على حين يتبادر من لفظ المصباح إِلى ذهننا اليوم جهاز خاص لا مكان فيه للزيت، ولا للفتيل أمّا ما يجمع بين مصباح الامس ومصباح اليوم، هو الهدف من المصباح والنتيجة المتوخاة أو المتحصلة منه، يعني الأداة التي نزيل الظلمة. والأمر في قضيّة "الميزان" على هذا الغرار، بل وفي هذه الحياة ذاتها نرى كيف أن الموازين تطوّرت مع مرور الزمن تطوراً كبيراً، حتى أنه بات يُطلق لفظ الميزان على وسائل التوزين الأُخرى، مثل مقياس الحرارة، ومقياس سرعة الهواء وامثال ذلك. اذن، فالمسلّم هو أن أعمال الإِنسان توزن في يوم القيامة بأداة خاصّة لا بواسطة موازين مثل موازين الدنيا، ويمكن أن تكون تلك الأداة نفس وجود الأنبياء والأئمّة والصالحين، وهذا ما يستفاد - أيضاً - من الأحاديث المروية عن أهل البيت (عليهم السلام). ففي بحار الأنوار ورد عن الإِمام الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى: (وَنَضَعُ المَوازينَ القسط) أنه قال: "والموازين الأنبياء، والأوصياء، ومن الخلق من يَدخُل الجنّة بغير حساب" (7). وجاء في رواية أُخرى: إِنّ أمير المؤمنين والأئمّة من ذريته (عليهم السلام) هم الموازين (8). ونقرأ في إحدى زيارات الإِمام أميرالمؤمنين المطلقة: السلام على ميزان الأعمال. وفي الحقيقة أن الرجال والنساء النموذجيين في العالم هم مقاييس لتقييم أعمال العباد، فكل من شابههم كان له وزن بمقدار مشابهته لهم، ومن بعد عنهم كان خفيف الوزن، أو فاقد الوزن من الأساس. بل إِنّ أولياء الله في هذا العالم هم أيضاً مقاييس للوزن والتقييم، ولكن حيث أنّ أكثر الحقائق في هذا العالم تبقى خلف حجب الإِبهام والغموض. تبرز في يوم القيامة بمقتضى قوله تعالى: (وبرزوا لله الواحد القهار) (9) وتنكشف هذه الحقائق وتنجلي للعيان. ومن هنا يتّضح لماذا جاء لفظ الميزان في الآية بصيغة الجمع: "الموازين" لأنّ أولياء الله الذين يوزَن بهم الأعمال متعددون. ثمّ إِن هناك احتمالا آخر أيضاً، وهو أن كل واحد منهم كان متميزاً في صفة معينة، وعلى هذا يكون كل واحد منهم ميزاناً للتقييم في إِحدى الصفات والأعمال البشرية، وحيث أن أعمال البشر وصفاتهم مختلفة، لهذا يجب أن تكون المعايير والمقاييس متعددة. ومن هنا أيضاً يتّضح أنّ ما جاء في بعض الرّوايات والأخبار، مثل ما ورد عن الإِمام الصادق (ع) حيث سألوه: ما معنى الميزان؟ قال: "العدل" لا ينافي ما ذكرناه، لأنّ أولياء الله، والرجال والنساء النموذجيين في هذا العالم هم مظاهر للعدل من حيث الفكر، والعدل من حيث العقيدة، والعدل من حيث الصفات والأعمال (تأملوا) (10). ﴿وَالْوَزْنُ﴾ أي القضاء أو العدل أو وزن الأعمال بعد تجسيمها أو صحائفها بميزان له لسان وكفتان يراه الخلق إظهارا للعدل وقطعا للعذر ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ خبر الوزن أي يوم السؤال ﴿الْحَقُّ﴾ العدل صفة الوزن ﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ حسناته أو ميزانها جمع موزون أو ميزان وجمع باعتبار تعدد الحسنات أو تعدد الميزان للعقائد والأعمال والأخلاق ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الفائزون بالثواب.