التّفسير
مكانة الإِنسان وعظمته في عالم الوجود:
عقيب الآيات التي أشارت إِلى المبدأ والمعاد، يدور البحث في هذه الآية والآيات اللاحقة حول عظمة الانسان وأهمية مقامه، وكيفية خلق هذا الكائن والمفاخر التي وهبها الله له، والمواثيق التي أخذها الله منه لقاء هذه المواهب والنِعم، كل ذلك لتقوية قواعد وأُسس تربيته وتكامله.
وفي البداية اختصر جميع هذه الأُمور في هذه الآية، ثمّ شرحها وفصّلها في الآيات اللاحقة.
فهو يقول البداية: نحن الذين منحناكم الملكية والحاكمية وسلطناكم على الأرض: (ولقد مكنّاكم في الأرض).
وأعطيناكم وسائل العيش بجميع أنواعها: (وجعلنا لكم فيها معايش).
ولكن مع ذلك لم تشكروا هذه النعم إِلاّ قليلا (قليلا ما تشكرون).
و"التمكين" هنا ليس بمعنى أن يوضع شخص في مكان مّا، بل معناه أن يعطى ويوفَّرَ له كل ما يستطيع بواسطته على تنفيذ مآربه، وتهيئة أدوات العمل له، ورفع الموانع وإَزالتها عن طريقه، ويُطلق على مجموع هذا لفظ "التمكين"، فإِننا نقرأ في القرآن الكريم حول يوسف: (وكذلك مكنّا ليوسف في الأرض) (1) أي أننا جعلنا جميع الإِمكانيات تحت تصرّفه.
إِنّ هذه الآية - مثل بعض الآيات القرآنية الأُخرى - تدعو الناس - بعد ذكر وتعداد النعم الإِلهية والمواهب الربانيّة - إِلى شكرها، وتذم كفران النعم.
إِن من البديهي أن بعث روح الشُكر والتقدير لدى الناس في مقابل النعم الإِلهية، إِنّما هو لأجل أن يخضعوا لواهب النعم تمشياً واستجابة لنداء الفطرة، ولكي يعرفوه ويطيعوه عن قناعة فيهتدوا ويتكاملوا بهذه الطريقة، لا أن الشاكر يؤثر بشكره في مقام الرّبوبية العظيم، بل الأثر الحاصل من الشكر - مثل سائر آثار العبادات والأوامر الإِلهية - جميعاً - يعود إِلى الإِنسان لا غير.
﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ﴾ في التصرف فيها ﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ﴾ أسبأبا تعيشون بها جمع معيشة ﴿قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾ على ذلك.