ففي البداية - وكان يقول القرآن الكريم - بدأ بنزع لباس الطاعة والعبودية لله، عنهما، فأبدى عورتهما التي كانت مخبأة مستورة: (فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما وورِىَ عنهما من سوآتِهما).
وللوصول إِلى هذا الهدف رأى أنّ أفضل طريق هو أن يستغلّ حبّ الإِنسان ورغبته الذاتية في التكامل والرقي والحياة الخالدة، وليوفّر لهما عذراً يعتذران ويتوسلان به لتبرير مخالفتهما لأمر الله ونهيه، ولهذا قال لآدم وزوجته: (ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة إِلاّ أن تكونا مَلَكَين أو تكونا من الخالدين).
وبهذه الطريقة صَوَّرَ الأمر الآِلهي في نظرهما بشكل آخر، وصوّر المسألة وكأنَّ الأكل من "الشجرة الممنوعة" ليس غير مضرّ فحسب، بل يورث عمراً خالداً أو نيل درجة الملائكة.
والشاهد على هذا الكلام هو العبارة التي قالها إِبليس في سورة طه الآية 120: (يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد ومُلك لا يبلى).
فقد جاء في رواية رويت في تفسير القمي عن الإِمام الصادق (ع)، وفي "عيون أخبار الرضا" عن الإِمام علي بن موسى الرضا (ع) : فجاء إِبليس فقال: "إِنّكما إِن أكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين، وبقيتما في الجنّة أبداً، وإِن لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنّة" (1).
﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ﴾ أوهمهما النصيحة لهما ﴿لِيُبْدِيَ لَهُمَا﴾ اللام للعاقبة أو للغرض أي ليظهر لهما ﴿مَا وُورِيَ﴾ ستر ﴿عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا﴾ عوراتهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر ﴿وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ﴾ كراهة ﴿أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ في الجنة.