أسباب النّزول
روي عن ابن عباس أن سبب نزول هذه الآية، ما روي أن ابن صوريا وجماعة من يهود أهل فدك، لما قدم النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة، سألوه أسئلة، وكان رسول الله يجيبهم وهم يصدّقون جوابه، من ذلك أنهم قالوا له: يا محمّد كيف نومك؟ فقد اُخبرنا عن نوم النّبي الذي يأتي في أواخر الزمان، فقال: تنام عيناي وقلبي يقظان.
قالوا: صدقت يا محمّد... ثم قال له ابن صوريا: خصلة واحدة إن قلتها آمنت بك واتبعتك: أيّ ملك يأتيك بما يُنزل الله عليك؟ قال: جبريل.
قال ابن صوريا: ذاك عدونا ينزل بالقتال والشدة والحرب، وميكائيل ينزل باليسر والرخاء، فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك لآمنّا بك!!.
التّفسير
قومٌ جَدِلون:
سبب نزول الآية الكريمة يبيّن طبيعة العناد واللجاج والجدل في اليهود، إبتداء من زمان موسى (عليه السلام) ومروراً بعصر خاتم الأنبياء وحتى يومنا هذا يعرضون عن الحقّ بألوان الحجج الواهية.
حجّتهم في هذا الموضع المذكور في الآية ثقل التكاليف التي يأتي بها جبرائيل، وعداؤهم لهذا الملك، ورغبتهم في أن يكون ميكائيل أميناً للوحي!! وكأن الملائكة هم مصدر الاحكام الإلهية! والقرآن الكريم يصرّح بأن الملائكة ينفّذون أوامر الله ولا ينحرفون عن طاعته: ﴿لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ﴾.
القرآن يجيب عن ذريعة هؤلاء: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرَيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ﴾ وما جاء به جبرائيل يصدّق ما نزل في الكتب السماوية السابقة: ﴿مُصَدِقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ وهو إضافة إلى كل هذا: ﴿وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
فالجواب في هذه الآية ينطوي على ثلاث شعب: يأوّ: إن جبريل لا يأتي بشيء من عنده، بل ما يأتي به هو ﴿بِإِذْنِ الله﴾.
ثانياً: ما جاء به جبريل تصدّقه الكتب السماوية السابقة، لانطباقه على العلامات والدلالات المذكورة في تلك الكتب.
ثالثاً: محتوى ما جاء به جبرائيل يدلّ على أصالته وحقّانيته.
﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ﴾ وقرىء جبرئيل كسلسبيل وبفتح الجيم وكسر الراء وبلا همزة كقنديل نزلت لما قال اليهود لو كان الذي يأتيك ميكائيل آمنا بك فإنه ملك الرحمة وجبرائيل ملك العذاب وهو عدونا ﴿فَإِنَّهُ﴾ أي جبرائيل ﴿نَزَّلَهُ﴾ أي القرآن ﴿عَلَى قَلْبِكَ﴾ أي على فهمك وحفظك وكان حقه على قلبي فجاء على حكاية كلام الله كأنه قيل قل ما تكلمت به ﴿بِإِذْنِ اللّهِ﴾ بأمره ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ من كتب الله ﴿وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أحوال من مفعوله وجزاء الشرط فإنه نزله أي من عاد منهم جبرئيل فغير منصف لأنه ينزل كتابا يصدق الكتب السالفة فحذف الجزاء وأقيم علته مقامه أو من عاداه فبسبب أنه نزل عليك.