لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ولكن يستفاد من الآية الثّالثة والرّابعة بأنّهم أفراد ذوو نفوذ وقدرة، يوبخون أهل النّار ويعاتبونهم، ويساعدون الضعفاء في الأعراف على العبور إلى منزل السعادة. وقد قسمت الرّوايات الواردة في هذا المجال أهل الأعراف الى هذين الفريقين المختلفين أيضاً. ففي بعض الأحاديث الواردة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) نقرأ: "نحن الأعراف" (2) أو عبارة: "آل محمّد هم الأعراف" (3) وما شابه هذه التعابير. ونقرأ في طائفة أُخرى عبارة: "هم أكرم الخلق على الله تبارك وتعالى" (4) أو "هم الشهداء على الناس والنّبيون شهداؤهم" (5) وروايات أُخرى تحكي أنّهم الأنبياء والأئمّة والصلحاء والأولياء. ولكن طائفة أُخرى مثلما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) تقول: "هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فإن أدخلهم النّار فبذنوبهم، وإن أدخلهم الجنّة فبرحمته". (6) وثمّة روايات متعددة أُخرى في تفاسير أهل السنة قد رويت عن "حذيفة" و"عبدالله بن عباس" و "سعيد بن جبير" وأمثالهم بهذا المضمون (7). ونرى في هذه التفاسير أيضاً مصادر تفيد أنّ أهل الأعراف هم الصلحاء والفقهاء والعلماء أو الملائكة. وبالرغم من أنّ ظاهر الآيات وظاهر هذه الرّوايات تبدو متناقضة في بدو النظر، ولعله لهذا السبب أبدى المفسّرون في هذا المجال أراءً مختلفة، ولكن مع التدقيق والإمعان يتّضح أنّه لا يوجد أي تناقض ومنافاة، لا بين الآيات ولا بين الأحاديث، بل جميعها تشير إلى حقيقة واحدة. وتوضيح ذلك: إنّه يستفاد من مجموع الآيات والرّوايات - كما أسلفنا ـالأعراف معبر صعب العبور على طريق الجنّة والسعادة الأبدية. ومن الطبيعي أنّ الأقوياء الصالحين والطاهرين هم الذين يعبرون هذا المعبر الصعب بسرعة، أمّا الضعفاء الذي خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً فيعجزون عن العبور. كما أنّه من الطبيعي أيضاً أن تقف قيادات الجموع وسادة القوم عند هذه المعابر الصعبة مثل القادة العسكريين الذين يمشون في مثل هذه الحالات في مؤخرة جيوشهم ليعبر الجميع. يقفون هناك ليساعدوا ضعفاء الإيمان، فينجو من يصلح للنجاة ببركة مساعدتهم ومعونتهم ونجدتهم. وعلى هذا الأساس، فأصحاب الأعراف فريقان: ضعفاء الإيمان والمتورطون في الذنوب الذين هم بحاجة إلى الرحمة، والأئمّة السادة الذين يساعدون الضعفاء في جميع الأحوال. وعلى هذا فإن الطائفة الأُولى من الآيات والأحاديث تشير إلى الفريق الأوّل من الواقفين على الأعراف، وهم الضعفاء، والطائفة الثّانية منها تشير إلى الفريق الثّاني من أصحاب الأعراف، وهم السادة والأنبياء والأئمّة والصلحاء. ونرى في بعض الرّوايات - أيضاً - شاهداً واضحاً وجلياً على هذا الجمع مثل الحديث المنقول عن الإمام الصّادق (عليه السلام) الذي قال فيه: "الأعراف كثبان بين الجنّة والنّار، والرجال الأئمّة يقفون على الأعراف مع شيعتهم وقد سبق المؤمنون إلى الجنّة بلا حساب". ويقصد من الشيعة الذي يقفون مع الأئمّة على الأعراف العصاة منهم. ثمّ يضيف قائلا: "فيقول الأئمّة لشيعتهم من أصحاب الذنوب: انظروا إلى إخوانكم في الجنّة قد سبقوا إليها بلا حساب، وهو قوله تبارك وتعالى: (سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون) ثمّ يقال: انظروا إلى أعدائكم في النّار، وهو قوله تعالى: (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النّار قالوا ربّنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) ثمّ يقولون لمن في النّار من أعدائهم: هؤلاء شيعتي وإخواني الذين كنتم أنتم تختلفون (تحلفون) في الدنيا أن لا ينالهم الله برحمة، ثمّ تقول الأئمّة لشيعتهم: ادخلوا الجنّة لا خوف عليكم وأنتم تحزنون (8). ونظير هذا المضمون روي في تفاسير أهل السنة عن حذيفة عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (9). ونكرر مرّة أُخرى هنا أنّ الحديث حول تفاصيل وجزئيات القيامة وخصوصيات الحياة في العالم الآخر أشبه بما لو أننا أردنا أن نصف شبحاً من بعيد، في حين أنّ بين ذلك الشبح وبين حياتنا تفاوتاً واسعاً واختلافاً كبيراً، فما نفعله في هذه الصورة هو أنّنا نستطيع بألفاظنا المحدودة والقاصرة أن نشير إليه إشارة ناقصة قصيرة. هذا، والنقطة الجديرة بالإلتفات هي أنّ الحياة في العالم الآخر مبتنية على أساس النماذج والعيّنات الموجودة في هذه الدنيا، فهكذا الحال بالنسبة إلى الأعراف، لأنّ الناس في هذه الدنيا ثلاث فرق: المؤمنون الصادقون الذين وصلوا إلى الطمأنينة الكاملة في ضوء الإيمان، ولم يدخروا وسعاً في طريق المجاهدة. والمعاندون وأعداء الحق المتصلبون المتمادون في لجاجهم الذين لا يهتدون بأية وسيلة. والفريق الثّالث هم الذين يقفون في هذا الممر الصّعب عبوره - في الوسط بين الفريقين، وأكثر عناية القادة الصادقين وأئمّة الحق موجهة إلى هؤلاء، فهم يبقون إلى جانب هؤلاء، ويأخذون بأيديهم لإنقاذهم وتخليصهم من مرحلة الأعراف ليستقروا في صف المؤمنين الحقيقيين. ومن هنا يتّضح أن تدخّل الأنبياء والأئمّة في انقاذ هذا الفريق في الآخرة كتدخلهم لذلك في الدنيا لا ينافي أبداً قدرة الله وحاكميته على كل شيء، بل كل ما يفعلونه إنّما هو بإذن الله تعالى وأمره. ﴿أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ﴾ إشارة إلى أهل الجنة الذين كان الرؤساء يستضعفونهم ويحلفون أن لا يدخلهم الله الجنة ﴿ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾.