التّفسير
شروط استجابة الدعاء:
لقد أثبتت الآية السابقة - في ضوء ما أقيم من برهان واضح - هذه الحقيقة، وهي أنّ الذي يستحق للعبادة فقط هو الله، وفي عقيب ذلك ورد الأمر هنا بالدعاء، الذي هو مخ العبادة وروحها، يقول أوّلا: (ادعوا ربّكم تضرعاً وخفيةً).
و"التضرع" في الأصل من مادة "ضَرْع" بمعنى الثدي، وعلى هذا يكون فعل التضرع بمعنى حلب اللبن من الضرع، وحيث إنّه عند حلب اللبن تتحرك الأصابع على حلمة الثدي من جهاتها المختلفة استداراً للحليب، لهذا استعملت هذه الكلمة في من يظهر حركات خاصّة إظهاراً للخضوع والتواضع.
وعلى هذا فإنّ الآية المبحوثة، وعبارة (ادعو ربّكم تضرّعاً) تحثّنا على أن نقبل على الله بمنتهى الخضوع والخشوع والتواضع، بل يجب أن تنعكس روح الدعاء في أعماق روحه، وعلى جميع أبعاد وجوده، ويكون اللسان مجرّد ترجمانها، ويتحدث نيابة عن جميع أعضائه.
وأمره تعالى - في الآية الحاضرة - بأن يدعى الله "خفية" وفي السّر، لأنّه أبعد عن الرياء، وأقرب إلى الإخلاص، ولأجل أن يكون الدعاء مقروناً بتمركز الفكر وحضور القلب.
ونحن نقرأ في حديث أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما كان في إحدى غزواته، ووصل جنود الإسلام إلى واد رفعوا أصواتهم بالتهليل والتكبير قائلين: "لا إله إلاّ الله" و "الله أكبر" فقال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "يا أيّها الناس اربعوا على أنفسكم، أمّا إنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائباً، إنّكم تدعون سميعاً قريباً، إنّه معكم" (1).
كما ويحتمل في هذه الآية أيضاً أن يكون المراد من "التضرع" هو الدعاء الظاهر العلني، والمراد من "الخفية" الدعاء الخفي السّري، لأنّ لكل مقام اقتضاءً خاصاً، فقد يقتضي أن يكون الدعاء علناً، وربّما يقتضي خفية وسراً، وهناك رواية وردت في ذيل هذه الآية تؤيد هذا الموضوع.
ثمّ قال تعالى في ختام الآية: (إنّه لا يحبّ المعتدين) أي أنّ الله لا يحب المعتدين.
ولهذه العبارة معنى وسيع يشمل كل نوع من أنواع العدوان والتجاوز، سواء الصراخ ورفع الصوت عالياً جداً حين الدعاء، أو التظاهر وممارسة الرياء، أو التوجه إلى غير الله حين الدعاء.
﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ تذللا وسرا ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ للحد في الدعاء كطلب منزلة النبي والإمام أو الصباح أو في كل أمر.