وعندما بلغ الحوار إلى هذه النقطة، وأطلق أُولئك المتعنتون كلمتهم الأخيرة الكاشفة عن رفضهم الكامل لدعوة هود، وأيس هود - هو الآخر - من هدايتهم تماماً، قال: إذن ما دام الأمر هكذا فسيحلّ عليكم عذاب ربّكم (قال قد وقع عليكم من ربّكم رجس وغضب).
و"الرّجس" في الأصل بمعنى الشيء غير الطاهر، ويرى بعض المفسّرين أنّ لأصل هذه اللفظة معنى أوسع، فهو يعني كل شيء يبعث على النفور والتقزز والقرف، ولهذا يطلقُ على جميع أنواع الخبائث والنجاسات والعقوبات لفظ "الرجس" لأنّ جميع هذه الأُمور توجب نفور الإنسان، وابتعاده.
وعلى كل حال فإنّ هذه الكلمة في الآية المبحوثة يمكن أن تكون بمعنى العقوبات الإِلهية، ويكون ذكرها مع جملة "قد وقع" التي هي بصيغة الفعل الماضي إشارة إلى أنّكم قد أصبحتم مستوجبين للعقوبة حتماً وقطعاً، وأن العذاب سيحل بكم لا محالة.
كما يمكن أن يكون بمعنى النجاسة وتلوث الروح، يعني أنّكم قد غرقتم في دوّامة الإنحراف والفساد إلى درجة أنّ روحكم قد دفنت تحت اوزار كثيفة من النجاسات، وبذلك استوجبتم غضب الله، وشملكم سخطه.
ثمّ لأجل أن لا يبقى منطق عبادة الاوثان من دون ردّ أضاف قائلا: (أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وأباءكم ما نزل الله بها من سلطان) فهذه بُراء، وجئتم تجادلونني في عبادتها في حين لم ينزل بذلك أي دليل من جانب الله.
وفي الحقيقة، أنّ هذه الأصنام لا تملك من الألوهية إلاّ أسماء من دون مسمّيات، وهي أسماء من نسج خيالكم وخيال أسلافكم، وإلاّ فهي كومة أحجار وأخشاب لا تختلف عن غيرها من أحجار البراري وأخشاب الغابات.
ثمّ قال: فإذا كان الأمر هكذا فلننتظر جميعاً، انتظروا أنتم أن تنفعكم أصنامكم ومعبوداتكم وتنصركم، وأنتظر أنا أن يحلّ بكم غضب الله وعذابه الأليم جزاء تعنتكم، وسيكشف المستقبل أي واحد من هذين الإنتظارين هو الأقرب إلى الحقيقة والواقع (فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين).
﴿قَالَ قَدْ وَقَعَ﴾ وجب أو حق فهو كالواقع ﴿عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ﴾ عذاب ﴿وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء﴾ أصنام ﴿سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم﴾ آلهة ﴿مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ﴾ حجة ﴿فَانتَظِرُواْ﴾ حلول العذاب ﴿إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾ لحلوله بكم.