ثمّ يقول في الآية اللاحقة (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوّأكم في الأرض) أي من جانب لا تنسوا نعم الله الكثيرة، ومن جانب آخر انتبهوا إلى أنّه قد سبقكم أقوام (مثل قوم عاد) طغوا فحاق بهم عذاب الله بذنوبهم وهلكوا.
ثمّ ركز على بعض النعم الإِلهية كالأرض فقال: (تتخذون من سهولها قصوراً، وتنحنون الجبال بيوتاً)، فالأرض قد خُلِقَت بنحو تكون سهولها المستوية والمزودة بالتربة الصالحة لإقامة القصور الفخمة، كما تكون جبالها صالحة لأن تنحت فيها البيوت القوية المحصنة لفصل الشتاء والظروف الجوية القاسية.
ويبدو للنظر من هذا التعبير هو أنّهم كانوا يغيرون مكان سكناهم في الصيف والشتاء، ففي فصل الربيع والصيف كانوا يعمدون إلى الزراعة والرعي في السهول الواسعة والخصبة، ولهذا كانت عندهم قصور جميلة في السهول، وعند حلول فصل البرد والإنتهاء من الحصاد يسكنون في بيوت قوية منحوتة في قلب الصخور، وفي أماكن آمنة تحفظهم من خطر السيول والعواصف والاخطار.
وفي ختام الآية يقول تعالى: (فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين) (2).
ثمّ إنّنا نلاحظ أيضاً أنّ جماعة الأغنياء والمترفين ذوي الظاهر الحسن، والباطن القبيح الخبيث، الذين عبر عنهم بالملأ أخذوا بزمام المعارضة لهذا النّبي الإِلهيّ العظيم، وحيث أنّ عدداً كبيراً من أصحاب القلوب الطيبة والافكار السليمة كانت ترزح في أسر الأغنياء والمترفين، قد قبلت دعوة النّبي صالح واتبعته، لهذا بدأ الملأ بمخالفتهم لهؤلاء المؤمنين.
﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ﴾ أسكنكم ﴿فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا﴾ يبنون في سهولها ﴿قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا﴾ حال مقدرة أو مفعول بتقدير من الجبال ﴿فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾.