وفي الآية اللاحقة يشير إلى رابع نصيحة لشعيب، وهي منعهم عن الجلوس على الطرقات وتهديد الناس، وصدّهم عن سبيل الله، وتضليل الناس بإلقاء الشبهات وتزييف طريق الحق المستقيم في نظرهم، فقال: (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون، وتصدون عن سبيل الله من آمن به، وتبغونها عوجاً).
وأمّا أنّه كيف كانوا يهدّدون الراغبين في الإِيمان، فقد ذكر المفسّرون في هذا المجال إحتمالات متعددة، فالبعض إحتمل أنّه كان ذلك عن طريق التهديد بالقتل، وبعض آخر احتمل أنّه كان عن طريق قطع الطريق ونهب أموال المؤمنين، ولكن المناسب مع بقية العبارات الأُخرى في الآية هو المعنى الأوّل.
وفي ختام الآية جاءت النصيحة الخامسة لشعيب، التي ذكّر فيها قومه بالنعم الإلهية لتفعيل حسّ الشكر فيهم، فيقول: تذكّروا عندما كنتم أفراداً قلائل فزادكم الله في الأفراد وضاعف من قوتكم: (واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم).
ثمّ يلفت نظرهم إلى عاقبة المفسدين ونهاية أمرهم ومصيرهم المشؤوم حتى لا يتبعوهم في السلوك فيصابوا بما أصيبوا به، فيقول: (وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين).
ويستفاد من الجملة الأخيرة أنّه على العكس من الدعايات غير المدروسة لتحديد النسل في هذه الأيّام فإنّ كثرة أفراد المجتمع، يمكن أن تكون منشأ القوّة وعظمة وتقدم المجتمع في أكثر الموارد، طبعاً شريطة أن تضمن معيشتهم وفقاً لبرامج منظمة، من الناحية المادية والمعنوية.
إنّ آخر آية من الآيات المبحوثة هنا بمثابة إجابة على بعض استفهامات المؤمنين والكفار من قومه، لأنّ المؤمنين - على أثر الضغوط التي كانت تتوجه إليهم من جانب الكفار - كان من الطبيعي أن يطرحوا هذا السؤال على نبيّهم: إلى متى نبقى في العذاب ونتحمل الأذى؟
وكان معارضوهم - أيضاً - والذين تجرأوا لأنّهم لم تصبهم العقوبة الإلهية فوراً يقولون: إذا كنت من جانب الله حقّاً فلماذا لا يصيبنا شيء رغم كل ما نقوم به من إيذاء ومعارضة؟
فيقول لهم شعيب: إن كانت طائفة منكم آمنت بما بُعِثت به، وأعرض أُخرى فلا ينبغي أن يكون ذلك سبباً لغرور الكفار، ويأس المؤمنين، اصبروا حتى يحكم الله بيننا وبينهم.
فالمستقبل سوف يكشف عمن يكون على حق، ومن يكون على باطل (وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلتُ به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين).
﴿وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ﴾ طريق من طرق الدين أي شعبة من أصوله وفروعه ﴿تُوعِدُونَ﴾ تخوفونهم بالقتل وتمنعونهم عن الإيمان به وهو حال ﴿وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾ دينه ﴿مَنْ آمَنَ بِهِ﴾ بالله ﴿وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ وتطلبون السبل معوجة بإلقاء الشبه كقولكم هذا كذب ونحوه ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً﴾ عددا أو عدة ﴿فَكَثَّرَكُمْ﴾ بالنسل أو المال ﴿وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ من قبلكم واعتبروا بهم.