لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
لقد أضاعوا سعادتهم وسعادة مجتمعهم عن علم ووعي، وغرقوا في مستنقع الكفر والإِنحراف ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوا لَمَثْوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾. بحوث 1 - قصّة هاروت وماروت: كثر الحديث بين أصحاب القصص والأساطير عن هذين الملكين، واختلطت الخرافة بالحقيقة بشأنهما، حتى ما عاد بالإِمكان استخلاص الحقائق مما كتب بشأن هذه الحادثة التاريخية، ويظهر أن أصح ما قيل بهذا الشأن وأقربه إلى الموازين العقلية والتاريخية والاحاديث الشريفة هو مايلي: شاع السحر في أرض بابل وأدّى إلى إحراج النّاس وازعاجهم، فبعث الله ملكين بصورة البشر، وأمرهما أن يعلما النّاس طريقة إحباط مفعول السحر، ليتخلصوا من شرّ السحرة. كان الملكان مضطرين لتعليم النّاس اُصول السحر، باعتبارها مقدمة لتعليم طريقة إحباط السحر. واستغلت مجموعة هذه الاُصول، فانخرطت في زمرة الساحرينِ، وأصبحت مصدر أذى للناس. الملكان حذرا النّاس - حين التعليم - من الوقوع في الفتنة، ومن السقوط في حضيض الكفر بعد التعلم، لكن هذا التحذير لم يؤثّر في مجموعة منهم. وهذا الذي ذكرناه ينسجم مع العقل والمنطق، وتؤيده أحاديث أئمّة آل البيت(عليهم السلام)منها ما ورد في كتاب عيون أخبار الرضا (وقد أورده في أحد طرقه عن الإمام الرضا (عليه السلام) في طريق آخر عن الامام الحسن العسكرى (عليه السلام) ). أمّا ما تتحدث عنه بعض كتب التاريخ ودوائر المعارف بهذا الشأن فمشوب يبالخرافات والأساطير، وبعيد كل البعد عمّا ذكره القرآن، من ذاك مث أن الملكين أرسلا إلى الأرض ليثبت لهما سهولة سقوطهما في الذنب إن كانا مكان البشر، فنزلا وارتكبا أنواع الآثاموالذنوبوالكبائر!!والنص القرآني بعيدعن هذه الأساطير ومنزّه منها. 2 - لفظ هاروت وماروت: زعم بعض المحققين أن «هاروت» و«ماروت» لفظان فارسيان قديمان. وقال: إن كلمة «هوروت» تعني «الخصب»، و«موروت» تعني «عديم الموت» واسما هاروت وماروت مأخوذان، من هذين اللفظين. وهذا الإِتجاه في فهم معنى الإِسمين لا يقوم على دليل. وفي كتاب «آوِستا» وردت ألفاظ مثل: «هرودات» ويعني «شهر خرداد»، وكذلك «أمردات» بمعنى عديم الموت، وهو نفسه اسم «شهر مرداد». وفي معجم (دهخدا) تفسير للفظين شبيه بما سبق. والعجيب أن البعض ذهب إلى أن هاروت وماروت من البشر ومن سكنة بابل!، وقيل أيضاً أنّهما من الشياطين!! والآيات المذكورة ترفض ذلك طبعاً. 3 - كيف يكون الملك معلماً للإِنسان؟ يبقى السّؤال عن الرابطة بين الملك والإِنسان، وهل يمكن أن تكون بينهما رابطة تعليمية؟ الآيات المذكورة تصرح بأن هاروت وماروت علّما النّاس السحر، وهذا تمّ طبعاً من أجل إحباط سحر السحرة في ذلك المجتمع. فهل يمكن للملك أن يكون معلماً للإِنسان؟ الأحاديث الواردة بشأن الملكين تجيب على هذا السّؤال، وتقول: إن الله بعثهما على شكل البشر، وهذه الحقيقة يمكن فهمها من الآية التاسعة لسورة الأنعام أيضاً، حيث يقول تعالى: ﴿يوَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُ﴾. 4 - لا قدرة لأحد على عمل دون إذن الله: نفهم من قول الله في هذه الآيات أن السحرة ما كانوا قادرين على إنزال الضّر بأحد دون إذن الله سبحانه، وليس في الأمر «جبر» ولا إرغام، بل إن هذا المعنى يشير إلى مبدأ أساس في التوحيد، وهو إن كلّ القوى في هذا الكون تنطلق من قدرة الله تعالى، النار إذ تحرق إنما تحرق بإذن الله، والسكين إذ تقطع إنما تقطع بأمر الله. لا يمكن للساحر أن يتدخل في عالم الخليقة خلافاً لإِرادة الله. كلّ ما نراه من آثار وخواص إنما هي آثار وخواص جعلها الله سبحانه للموجودات المخلتفة، ومن هذه الموجودات من يحسن الإِستفادة من هذه الهبة الإِلهية ومنهم من يسيء الإِستفادة منها. و«الإِختيار» الذي منحه الله للإِنسان إنما هو وسيلة لإِختباره تكامله. 5 - السحر وتاريخه: الحديث عن السحر وتاريخه طويل، ونكتفي هنا بالقول إن جذوره ضاربة في أعماق التاريخ، ولكن بداياته وتطوراته التاريخية يلفّها الغموض ولا يمكن تشخيص أول من استعمل السحر. وبشأن معناه يمكن القول: إنه نوع من الأعمال الخارقة للعادة، تؤثر في وجود الإنسان، وهو أحياناً نوع من المهارة والخفة في الحركة وإيهام للأنظار، كما إنه أحياناً ذو طابع نفسي خيالي. والسحر في اللغة له معنيان: 1 - الخداع والشّعوذة والحركة الماهرة. 2 - كل ما لطف ودقّ. والراغب ذكر للفظ السحر ثلاثة معان قرآنية: الأوّل: الخداع وتخييلات لا حقيقة لها، نحو ما يفعله المشعبذ بصرف الأبصار عما يفعله لخفة يده، وما يفعله النمام بقول مزخرف عائق للأسماع. الثّاني: استجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب إليه. الثّالث: هو اسم لفعل يزعمون أنه من قوّته يغيّر الصور والطبائع فيجعل الإنسان حماراً، ولا حقيقة لذلك. نستنتج من دراسة 51 موضعاً من مواضع ذكر كلمة «سحر» في القرآن الكريم أن السحر ينقسم في رأي القرآن الكريم على قسمين: 1 - الخداع والشعبذة وخفة اليد وليس له حقيقة كما جاء في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعى﴾ وقوله: ﴿فَلَّمَا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ﴾ ويستفاد من هذه الآيات أن السحر ليس له حقيقة موضوعية حتى يمكنه التأثير في الاشياء، بل هو خفة حركة اليد ونوع من خداع البصر فيظهر ما هو خلاف الواقع. 2 - يستفاد من آيات اُخرى أن للسحر أثراً واقعياً، كقوله سبحانه: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾، وقوله: ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ﴾كما مرّ في الآيات التي نحن بصددها. وهل إن للسحر تأثيراً نفسياً فقط، أم يتعدى ذلك إلى الجسم أيضاً؟ لم تشر الآيات أعلاه إلى ذلك، ويعتقد بعض النّاس أن هذا التأثير نفسي لا غير. جدير بالذكر أن بعض ألوان السحر كانت تُمارس عن طريق الإِستفادة من خواص المواد الكيمياوية والفيزياوية لخداع النّاس. فيحدثنا التاريخ أن سحرة فرعون وضعوا داخل حبالهم وعصيّهم مادة كيمياوية خاصّة (ولعلها الزئبق)، كانت تتحرك بتأثير حرارة الشمس أو أية حرارة اُخرى، وتوحي للمشاهد أنها حيّة. وهذا اللون من السحر ليس بقليل في عصرنا الرّاهن. السّحر في رأي الإسلام: أجمعت الفقهاء على حرمة تعلم السحر وممارسته، وجاء عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): ي«مَنْ تَعَلَّمَ مِنَ السِّحْرِ قَلِي أَوْ كَثِيراً فَقَدْ كَفَرَ وَكَانَ آخِرُ عَهْدِهِ بِرَبِّهِ». ولكن - كما ذكرناه يجوز تعلم السحر لإبطال سحر السحرة، بل يرتفع الجواز أحياناً إلى حد الوجوب الكفائي، لإِحباط كيد الكائدين والحيلولة دون نزول الأذى بالنّاس من قبل المحتالين. دليلنا على ذلك حديث روي عن الإِمام أبي عبد الله جعفر محمّد الصادق (عليه السلام) : «كَانَ عِيَسى بْنُ شَقفَى سَاحِراً يَأْتِيهِ النَّاسُ وَيَأْخُذُ عَلى ذَلِكَ الاَْجْرَ فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنَا رَجُلٌ كَانَتْ صِنَاعَتِي السِّحْرُ وَكُنْتُ آخِذُ عَلَيْهِ الاَْجْرَ وَكَانَ مَعَاشِي وَقَدْ حَجَجْتُ مِنْهُ وَمَنَّ اللهِ عَلَيَّ بِلِقَائِكَ وَقَدْ تُبْتُ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهَلْ لِي فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ مَخْرَجٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ حُلَّ وَلاَ تَعْقُدْ». ويستفاد من هذا الحديث أن تعلّم السحر والعمل به من أجل فتح وحلّ عقد السحر لا إشكال فيه. السحر في رأي التوراة أعمال السحر والشّعبذة في كتب العهد القديم (التوراة وملحقاتها) هي أيضاً ذميمة غير جائزة. فالتوراة تقول: «لا تلتفتوا إلى الجان ولا تطلبوا التوابع فتنجسوا بهم وأنا الربّ إلهكم». وجاء في موضع آخر من التوراة: «والنفس التي تلتفت إلى الجان وإلى التوابع لتزني ورائهم إجعل وجهي ضد تلك النفس واقطعها من شعبها». ويقول قاموس الكتاب المقدس: «واضح أن السحر لم يكن له وجود في شريعة موسى، بل إن الشريعة شددت كثيراً على أولئك الذين كانوا يستمدون من السحر». ومن الطريف أن قاموس الكتاب المقدس الذي يؤكد على أن السحر مذموم في شريعة موسى، يصرح بأن اليهود تعلّموا السحر وعملوا به خلافاً لتعاليم التوراة فيقول: «... ولكن مع ذلك تسرّبت هذه المادة الفاسدة بين اليهود، فآمن بها قوم، ولجأوا إليه في وقت الحاجة». ولذلك ذمهم القرآن، وأدانهم لجشعهم وطمعهم وتهافتهم على متاع الحياة الدنيا. السحر في عصرنا توجد في عصرنا مجموعة من العلوم كان السحرة في العصور السالفة يستغلونها للوصول إلى مآربهم. 1 - الإِستفادة من الخواص الفيزياوية والكيمياوية للأجسام، كما ورد في قصّة سحرة فرعون واستفادتهم من خواص الزئبق أو أمثاله لتحريك الحبال والعصيّ. واضح أن الإِستفادة من الخصائص الكيمياوية والفيزياوية للأجسام ليس بالعمل الحرام، بل لابدّ من الإِطلاع على هذه الخصائص لإِستثمار مواهب الطبيعة، لكن المحرم هو استغلام هذه الخواص المجهولة عند عامة النّاس لإِيهام الآخرين وخداعهم وتضليلهم، مثل هذا العمل من مصاديق السحر، (تأمل بدقة). 2 - الإِستفادة من التنويم المغناطيسي، والهيبنوتيزم، والمانية تيزم، والتله بآتي (انتقال الأفكار من المسافات البعيدة). هذه العلوم هي أيضاً إيجابية يمكن الإِستفادة منها بشكل صحيح في كثير من شؤون الحياة. لكن السحرة كانوا يستغلونها للخداع والتضليل. ولو استخدمت هذه العلوم اليوم أيضاً على هذا الطريق المنحرف فهي من «السحر» المحرّم. بعبارة موجزة: إن السحر له معنى واسع يشمل كل ما ذكرناه هنا وما أشرنا إليه سابقاً. ومن الثابت كذلك أن قوة الإِرادة في الإِنسان تنطوي على طاقات عظيمة. وتزداد هذه الطاقات بالرياضات النفسية، ويصل بها الأمر أنها تستطيع أن تؤثر على الموجودات المحيطة بها، وهذا مشهود في قدرة المرتاضين على القيام بأعمال خارقة للعادة نتيجة رياضاتهم النفسية. جدير بالذكر أن هذه الرياضات تكون مشروعة تارة، وغير مشروعة تارة اُخرى. الرياضات المشروعة تخلق في النفوس الطاهرة قوة إيجابية بناءة، والرياضات غير المشروعة تخلق قوة شيطانية، وقد تكون كلا القوتين قادرتين على القيام بأعمال خارقة للعادة، لكن الاُولى إيجابية بناءة، والاُخرى مخربة هدامة. ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ﴾ بمحمد والقرآن ﴿واتَّقَوْا﴾ المعاصي كنبذ كتاب لله واتباع السحر ﴿لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه﴾ خير جواب لو، أي لا يثبوا مثوبة فحذف الفعل وعدل إلى الإسمية ليفيد ثبات المثوبة ونكرت لأن المعنى لشيء من الثواب ﴿خَيْرٌ﴾ لهم ﴿لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ أن ثواب الله خير مما هم فيه.