التّفسير
إذ لم تنفع المواعظ:
إنّ هذه الآيات - التي ذكرت بعد استعراض قصص مجموعة من الأنبياء العظام، مثل نوح وهود وصالح ولوط وشعيب، وقبل أن يعمد القرآن الكريم إلى استعراض قصّة موسى بن عمران - إشارة إلى عدّة أصول وقواعد عامّة تحكم في جميع القصص والحوادث، وهي قواعد وأُصول إذا فكَّرنا فيها كشفت القناع عن حقائق قيمة ترتبط بحياتنا - جميعاً - ارتباطاً وثيقاً.
في البداية يقول: (وما أرسلنا في قرية من نبي إلاّ أخذنا أهلها بالبأساء والضرّاء لعلّهم يضرعون) فالصِعاب والمشاق والبلايا التي تصيب الأفراد إنّما يفعلها الله بهم عسى أن ينتبهوا، ويتركوا طغيانهم، ويرجعوا إلى الله ويتوبوا إليه.
وذلك لأنّ الناس ما داموا في الرخاء والرفاه فهم في غفلة وقلما يكون لديهم استعداد وقابلية لقبول الحق.
أمّا عندما يتورّطون في المحنة والبلاء، يشرق نور فطرتهم وتوحيدهم ويتذكرون الله قهراً بلا اختيار، وتستعد قلوبهم لقبول الحق.
ولكن هذه اليقظة والنهضة ليست عند الجميع على حدّ سواء، فهي في كثير من الناس سريعة وعابرة وغير ثابتة، وبمجرّد أن تزول المشكلات يعودون إلى غفلتهم وغفوتهم، ولكن هذه المشكلات تعتبر بالنسبة إلى جماعة آخرين نقطة تحول في الحياة، ويعودون إلى الحق إلى الأبد.
والأقوام الذين جرى الحديث - في الآيات السابقة - حولهم كانوا من النمط الأوّل
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ﴾ فلم تؤمنوا به ﴿إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء﴾ بالفقر والمرض ﴿لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾ كي يتذللوا.