سبب النّزول
روي عن ابن عباس أنه قال: إن الصحابة كانوا يطلبون من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لدى تلاوته الآيات وبيانه الأحكام الإِلهية أن يتمهّل في حديثه حتى يستوعبوا ما يقوله، وحتى يعرضوا عليه أسئلتهم، وكانوا يستعملون لذلك عبارة: «راعنا» أي أمهلنا.
واليهود حوّروا معنى هذه الكلمة لتكون من «الرعونة» فتكون راعنا بمعنى اجعلنا رعناء، واتخذوا ذلك وسيلة للسخرية من النّبي والمسلمين.
الآية تطلب من المسلمين أن يقولوا «انْظُرْنَا» بدل من «رَاعِنَا» لسد الطريق أمام طعن الأعداء.
وقال بعض المفسرين: إنّ عبارة «رَاعِنَا» في كلام اليهود سبّة تعني «اسمع ولمّا تسمع»، وكانوا يرددون هذه العبارة مستهزئين!.
العلل المذكورة لنزول الآية الكريمة تناقض، فقد تكون بأجمعها صحيحة.
ويخاطبون بذلك النّبي ساخرين.
وليس بين هذه العلل المذكورة لنزول الآية الكريمة تناقض، فقد تكون بأجمعها صحيحة.
التّفسير
لا توفّروا للأعداء فرصة الطعن:
الآية الكريمة تخاطب المسلمين قائلة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
ممّا سبق من سبب نزول هذه الآية الكريمة نستنتج أنّ على المسلمين أن لا يوفروا للأعداء فرصة الطعن بهم، وأن لا يتيحوا لهم بفعل أو قول ذريعة يسيئون بها إلى الجماعة المسلمة.
عليهم أن يتجنبوا حتى ترديد عبارة يستغلها العدوّ لصالحه.
الآية تصرّح بالنهي عن قول عبارة تمكن الأعداء أن يستثمروا أحد معانيها لتضعيف معنويات المسلمين، وتأمرهم باستعمال كلمة اُخرى غير تلك الكلمة القابلة للتحريف ولطعن الأعداء.
حين يشدّد الإِسلام إلى هذا الحد في هذه المسألة البسيطة، فإن تكليف المسلمين في المسائل الكبرى واضح، عليهم في مواقفهم من المسائل العالمية أن يسدوا الطريق أمام طعن الأعداء، وأن لا يفتحوا ثغرة ينفذ منها المفسدون الداخليون والأجانب للإِساءة إلى سمعة الإِسلام والمسلمين.
جدير بالذكر أن عبارة راعنا - إضافة إلى ما فيها من معنى آخر استغله اليهود - فيها نوع من سوء الأدب، لأنّها من باب المفاعلة، وباب المفاعلة يفيد المبادلة والإِشتراك، وهي لذلك تعني: راعنا لنراعيك، وقد نهى القرآن عن ترديدها.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا﴾ أي راع أحوالنا وتأن بنا حتى نفهم ما تلقنا وذلك لأن اليهود توصلوا بهذا اللفظ إلى شتم رسول الله وكانت في لغتهم سبأ بمعنى اسمع لا سمعت وقيل نسبته إلى الرعونة ﴿وَقُولُواْ انظُرْنَا﴾ انظر إلينا ﴿وَاسْمَعُوا﴾ إذ قال لكم أمرا وأطيعوا ﴿وَلِلكَافِرِينَ﴾ للشاتمين ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وأتى بالظاهر إشعارا بالعلة وبأن ذلك يجر إلى الكفر.