لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير التّهديدات الفرعونية الجوفاء: عندما توجهت ضربة جديدة - بانتصار موسى على السحرة وإيمانهم به - إلى أركان السلطة الفرعونية، استوحش فرعون واضطرب بشدّة ورأى أنّه إذا لم يظهر أي ردّ فعل في مقابل هذا المشهد، فسيؤمن بموسى كل الناس أو أكثرهم، وستكون السيطرة على الأوضاع غير ممكنة، لهذا عمد فوراً إلى عملين مبتكرين: في البداية وجه اتهاماً (لعلّه مرغوب عند السواد من الناس) إلى السحرة، ثمّ هددهم بأشدّ التهديدات، ولكن على العكس من توقعات فرعون أظهر السحرة مقاومة عجيبة تجاه هذين الموقفين، مقاومة أغرقت فرعون وجهازه في تعجب شديد، وأفشلت جميع خططه. وبهذه الطريقة وجهوا ضربة ثالثة إلى أركان السلطان الفرعوني المتزلزل، وقد رسمت الآيات اللاحقة هذا المشهد بصورة رائعة. في البداية يقول: إنّ فرعوناً قال للسحرة: هل آمنتم بموسى قبل أن آذن لكم (قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم) ؟! وكأنّ التغيير ب- "به" لأجل تحقير موسى والإزدراء به، وكأنّه بجملة "قبل أن آذن لكم" أراد أن يظهر أنّه يتحرى الحقيقة ويطلب الحق، فلو كان عمل موسى (عليه السلام) يتسم بالحقيقة والواقعية لأذنت أنا للناس بأن يؤمنوا به، ولكن استعجالكم اكشفت عن زيفكم، وأنّ هناك مؤامرة مبيّنة ضد شعب مصر. وعلى أية حال، أفادت الجملة أعلاه أنّ فرعون الجبار الغارق في جنون السلطة كان يدعي أن لا يحق للشعب أن يتصرف أو يعمل أو يقول شيئاً من دون إجازته وإذنه، بل لا يحق لهم أن يفكروا ويؤمنوا بدون أمره وإذنه أيضاً!! وهذه هي أعلى درجات الإستعباد والاستحمار، أن يكون شعبٌ من الشعوب أسيراً وعبداً بحيث لا يحق له حتى التفكير والإِيمان القلبي بأحد أو بعقيدة. وهذا هو البرنامج الذي يواصله "الإستعمار الجديد"، يعني أنّ المستعمرين لا يكتفون بالإستعمار الإِقتصادى والسياسي والإِجتماعي، بل يسعون إلى تقوية جذورهم عن طريق الإِستعمار الفكري. وتتجلى مظاهر هذا الإِستعباد الفكري في البلاد الشيوعية أكثر فأكثر، بالحدود المغلقة، والأسوار الحديدية والرقابة الشديدة المفروضة على كل شيء، وبخاصّة على الأجهزة الثقافية. ولكن في البلاد الرأسمالية الغربية التي يظن البعض أنّه لا يوجد استعباد فكري وثقافي على الأقل وأن لكل أحد أن يفكر ويختار بحرية; يمارس الإستعباد بنحو آخر، لأنّ الرأسماليين الكبار بتسلّطهم الكامل على الصحف المهمّة، والإذاعات، ومحطات التلفزيون، وجميع سبل الإِرتباط الجمعي ووسائل الإِعلام، يفرضون على المجتمع أفكارهم وآراءهم في لباس الحرية الفكرية، ويوجهون المجتمع - عن طريق عملية غسيل دماغ واسعة ومستمرة - إلى الوجهة التي يريدون، وهذا بلاء عظيم يعاني منه عصرنا الحاضر. ثمّ يضيف فرعون قائلا (إن هذا لمكرٌ مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها). ونظراً إلى الآية (71) من سورة "طه" التي تقول (إنّه لكبيركم الذي علمكم السحر) يتّضح أنّ مراد فرعون هو أنّ هناك مؤامرة مدروسة وتواطؤاً مبيّتاً قد دبرتموه قبل مدّة للسيطرة على أوضاع مصر واستلام زمام السلطة، لا أنّكم دبرتموه للتو وقبل قليل في لقاء محتمل بينكم وبين موسى. ومن هنا يتّضح أنّ المراد من "المدينة" هو مجموع القطر المصري، والألف واللام ألف ولام الجنس، والمراد من "لتخرجوا منها أهلها" هو تسلط موسى (عليه السلام) وبني إسرائيل على أوضاع مصر، وإقصاء حاشية فرعون وأعوانه عن جميع المناصب الحساسة، أو إبعاد بعضهم إلى النقاط البعيدة من البلاد، والآية (110) في هذه السورة شاهدة على ذلك أيضاً. وعلى كل حال، فإنّ هذه التهمة كانت خاوية ومفضوحة، إلى درجة أنّه لم يكن يقتنع بها إلاّ العوام والجهلة من الناس، لأنّ موسى (عليه السلام) لم يكن حاضراً في مصر، ولم يلتق بأحد من السحرة من قبل، ولو كان أستاذهم وكبيرهم الذي علمهم السحر، لوجب أن يكون معروفاً ومشهوراً في جميع الأماكن، وأن يعرفُه أكثر الناس، وهذه لم تكن أُموراً يمكن إخفاؤها وكتمانها، لأنّ التواطؤ مع أشخاص المنتشرين في شتى مناطق مصر على أمر بهذا القدر من الاهمية غير ممكن عملا. ثمّ إنّ فرعون هدَّدهم بتهديد غامض ولكنّه شديد ومحكم، إذ قال: (فسوف تعلمون) !! ﴿رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ قَالَ فِرْعَوْنُ﴾ إنكارا عليهم ﴿آمَنتُم بِهِ﴾ بموسى أو ربه ﴿قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ﴾ شيء صنعتموه أنتم وموسى ﴿فِي الْمَدِينَةِ﴾ في مصر قبل خروجكم ﴿لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ عاقبة أمركم.