وفي الآية اللاحقة بيّن تفاصيل ذلك التهديد الذي هدَّد به السحرة فاقسم بأن يقطع أيديهم وأرجلهم ويصلبهم، إذ قال: (لأقطعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ثمّ لأصلبنكم أجمعين).
وفي الحقيقة كان مراده أن يقتلهم بالتعذيب والتنكيل، ويجعل من هذا المشهد الرهيب درساً للآخرين، لأن قطع الأيدي والأرجل، ثمّ الصلب على الشجر أمام الناس، ومنظر تدفق الدم من أجسامهم وما يرافق هذا من حالات النزع فوق المشانق إلى أن يموتوا، سيكون عبرة لمن يعتبر (ولابدّ من ملاحظة أن الصلب في ذلك الزمان لم يكن يتمّ على النحو الذي يتمّ به الآن، وهو تعليق المشنوق بوضع الحبل في عنقه، بل كان الحبل يوضع تحت كتفيه حتى لا يموت بسرعة).
ولعل قطع اليد والرجل من خلاف، كان لأجل أن هذا العمل يتسبب في أن يموتوا بصورة أبطأ، ويتحملوا قدراً أكثر من الألم والعذاب.
والجدير بالتأمل أن البرامج التي انتهجها فرعون لمكافحة السحرة الذين آمنوا بموسى، كانت برامج عامّة في مكافحة الجبارين وتعاملهم الوحشي الرخيص مع أنصار الحق والمنادين به، فهم من جانب يستخدمون حربة التهمة حتى يزعزعوا مكانة أنصار الحق في نفوس الجماهير، ومن جانب آخر يتوسلون بسلاح القوة والقهر والتهديد لتحطيم إرادتهم، ولكن - كما نقرأ في ذيل قصّة موسى - لم يستطع هذان السلاحان أن يفعلا شيئاً في نفوس أنصار الحق، ولن يفعلا.
﴿لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ﴾ اليد اليمنى والرجل اليسرى ﴿ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ لتفتضحوا ويعبر يعتبر بكم غيركم.