التّفسير
لقد فعلت ردة فعل موسى (عليه السلام) الشديدة فعلتها في المآل فقد ندم عَبَدة العجل الإسرائيليون - وهم أكثرية القوم - على فعلهم، وقد طرح هذا الندم في عدّة آيات قبل هذه الآية أيضاً (الآية 149) ومن أجل أن لا يُتصور أن مجرّد الندم من مثل هذه المعصية العظيمة يكفي للتوبة، يضيف القرآن الكريم قائلا: (إنّ الذين اتّخذوا العجل سينالهم عضبٌ من ربّهم وذلّة في الحياة الدنيا).
وهكذا لأجل أن لا يُتصور أنّ هذا القانون يختص بهم أضاف قائلا: (وكذلك نجزي المفترين).
إن التعبير ب- "اتّخذوا" إشارة إلى أنّ الوثن ليس له أية واقعية، ولكن انتخاب عَبَدة الأوثان هو الذي أعطاه تلك الشخصية والقيمة الوهمية، ولهذا أتى بكلمة "العجل" وراء هذه الجملة فوراً، يعني أنّ ذلك العجل هو نفس ذلك العجل حتّى بعد انتخابه للعبادة.
أمّا أنّ هذا الغضب ما هو؟
وهذه الذّلة ما هي؟
فالقرآن لم يصرح بشيء عنهما في هذه الآية، وإنّما اكتفى بإشارة مجملة، ولكن يمكن أن تكون إشارة إلى الشقاء والمصائب والمشكلات التي ابتلوا بها بعد هذه الحادثة وقبل دخولهم الارض المقدسة.
أو أنّه إشارة إلى مهمّة قتل بعضهم بعضاً العجيبة التي كُلّفوا بها كجزاء وعقوبة لمثل ذلك الذنب العظيم.
وهنا قد يطرح هذا السؤال، وهو أنّ من المرتكزات الفكرية هو أنّ حقيقة التوبة تتحقق بالندامة، فكيف لم يشمل العفو الإلهي بني إسرائيل مع أنّهم ندموا على فعلهم؟
والجواب هو أنّه ليس لدينا أي دليل على أنّ مجرّد الندامة لوحدها تنفع في جميع الأحوال والمواضع.
صحيح أنّ الندامة هي أحد أركان التوبة، ولكنّها ليست كل شيء.
إنّ معصية عبادة الأوثان السجود للعجل في ذلك النطاق الواسع وفي تلك المدّة القصيرة، وبالنسبة إلى ذلك الشعب الذي شاهد بأُم عينيه كل تلكم المعاجز والآيات، لم تكن معصية يمكن التغاضي عنها بمثل هذه السهولة، وكفاية يقول مرتكبها: "أستغفر الله" وينتهي كلُّ شيء.
بل لابدّ أن يرى هذا الشعب غضب الله ويذوق طعم المذلة في هذه الحياة، ويساط الذين افتروا على الله الكذب بسوط البلاء حتى لا يفكروا مرّة أُخرى في ارتكاب مثل هذا الذنب العظيم.
﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ﴾ إلها ﴿سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ عذاب الآخرة أو أمرهم بقتل أنفسهم ﴿وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا﴾ الجلاء أو الجزية ﴿وَكَذَلِكَ﴾ الجزاء ﴿نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ على الله بالإشراك وغيره.