وفي الآية الثّانية من الآيات المبحوثة هنا يشرح الحوار الذي دار بين العصاة، وبين الذين نهوهم عن ارتكاب هذه المخالفة فيقول: (وإذ قالت أُمّة منهم لِمَ تعظون قوماً اللهُ مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً) (1).
فأجابهم الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر: بأنّنا ننهى عن المنكر لأنّنا نؤدي واجبنا تجاه الله تعالى، وحتى لا نكون مسؤولين تجاهه، هذا مضافاً إلى أنّنا نأمل أن يؤثر كلامنا في قلوبهم، ويكفوا عن طغيانهم وتعنتهم (قالوا معذرة إلى ربّكم ولعلّهم يتقون).
ويستفاد من الجملة الحاضرة أنّ هؤلاء الواعظين كانوا يفعلون ذلك بهدفين:
الأوّل: أنّهم كانوا يعظون العصاة حتى يكونوا معذورين عند الله.
والآخر: عسى أن يؤثروا في نفوس العصاة، ويفهم من هذا الكلام أنّهم حتى مع عدم احتمال التأثير، فإنّهم كانوا لا يحجمون عن الوعظ والنصيحة في حين أن المعروف هو أن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروطين باحتمال التأثير.
ولكن لابدّ من الإنتباه إلى أنّه ربّما يجب بيان الحقائق والوظائف الإِلهية حتى مع عدم احتمال التأثير، وذلك عندما يكون عدم بيان الأحكام الإِلهية، وعدم إنكار المنكر سبباً لتناسي وتنامي البدع، وحينما يعدّ السكوت دليلا على الرضا والموافقة.
ففي هذه الموارد يجب إظهار الحكم الإِلهي في مكان حتى مع عدم تأثيره في العصاة والمذنبين.
إنّ هذه النقطة جديرة بالإلتفات، وهي أنّ الناهين عن المنكر كانوا يقولون: نحن نريد أن نكون معذورين عند (ربّكم) وكأنّ هذا إشارة إلى أنّكم أيضاً مسؤوولون أمام الله، وإنّ هذه الوظيفة ليست وظيفتنا فقط، بل هي وظيفتكم تجاه ربّكم في الوقت ذاته.
﴿وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ﴾ وكانوا ثلاث فرق فرقة صادوا وفرقة نهوا وفرقة أمسكوا فقالت الماسكة للناهية ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾ في الدنيا ﴿أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ في الآخرة ﴿قَالُواْ﴾ جوابا لسؤالهم موعظتنا ﴿مَعْذِرَةً﴾ وقرىء بالنصب مصدرا أي نعتذر معذرة ﴿إِلَى رَبِّكُمْ﴾ لئلا ننسب إلى ترك النهي عن المنكر ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ الله فلا يعصونه.