وفي الآية اللاحقة يشير تعالى إلى تفرق اليهود في العالم فيقول: (وقطعناهم في الأرض أممّا منهم الصالحون ومنهم دون ذلك) فهم متفرقون منقسمون على أنفسهم بعضهم صالحون، ولهذا عندما سمعوا بنداء الإِسلام وعرفوا دعوة النّبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) آمنوا به، وبعضهم لم يكونوا كذلك بل ألقوا الحق وراءهم ظهرياً، ولم يرتدعوا عن معصية في سبيل ضمان مصالحهم وحياتهم المادية.
ومرّة أُخرى تتجلى هذه الحقيقة في هذه الآية وهي أنّ الإِسلام لا يعادي العنصر اليهودي، ولا يشجبهم لكونهم أتباع دين معيّن، أو منتمين إلى عنصر وعرق معيّن، بل يجعل أعمالهم هي مقياس تقييمهم.
ثمّ يضيف تعالى قائلا: (وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون).
أي ربّما نكرمهم ونجعلهم في رفاه ونعمة حتى نثير فيهم روح الشكر، ويعودوا إلى طريق الحق.
وربّما نغرقهم في الشدائد والمصاعب والمصائب حتى ينزلوا عن مركب الغرور والأنانية والتكبر، ويقفوا على عجزهم، لعلهم يستيقظون ويعودون إلى الله، والهدف في كلتا الحالتين هو التربية والهداية والعودة إلى الحق.
وعلى هذا الأساس تشمل "الحسنات" كل نعمة ورفاه واستقرار، كما تشمل "السيئات" كل نقمة وشدة، وحصر هذين المفهومين في دائر ضيّقة معيّنة لا دليل عليه.
﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ﴾ فرقناهم ﴿فِي الأَرْضِ أُمَمًا﴾ فرقا ﴿مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ﴾ منحطون عن الصلاح وهم كفرتهم وفسقتهم ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ﴾ بالمنح والمحن ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ عما هم عليه.