وفي الآية التّالية إشارة إلى حال أهل الجنّة وبيان لصفاتهم، فتبدأ الآية بدعوة الناس إلى التدبّر والتوجّه إلى أسماء الله الحسنى كمقدمة للخروج من صف أهل النّار، فتقول: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها).
والمرد من "أسماء الله الحسنى" هي صفات الله المختلفة التي هي حُسنى جميعاً، فنحن نعرف أنّ الله عالم قادر رازق عادل جواد كريم رحيم، كما أنّ له صفات أُخرى حسنى من هذا القبيل أيضاً.
فالمراد من دعاء الله بأسمائه الحسنى، ليس هو ذكر هذه الألفاظ وجريانها على اللسان فحسب، كأن نقول مثلا: يا عالم يا قادر يا أرحم الراحمين.
بل ينبغي أن نتمثّلَ هذه الصفات في وجودنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وأن يشع إشراق من علمه وشعاع من قدرته وجانب من رحمته الواسعة فينا وفي مجتمعنا.
وبتعبير آخر: ينبغي أن نتّصف بصفاته ونتخلّق بأخلاقه، لنستطيع بهذا الشعاع، شعاع العلم والقدرة والرحمة والعدل أن نخرج أنفسنا ومجتمعنا الذي نعيش فيه من سلك أهل النّار...
ثمّ تحذر الآية من هذا الأمر، وهو أن لا تُحرّف أسماؤه فتقول: (وذروا الذين يُلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون).
والإلحاد - في الأصل - مأخوذ من مادة "اللَّحْد" على زنة "المَهْد" التي تعني الحفرة التي تقع في طرف واحد، وعلى هذا الأساس فقد سمّيت الحفرة التي تكون في جانب القبر "لحداً".
ثمّ أُطلق هذا الإِستعمال "الإِلحاد" على كل عمل ينحرف عن الحدّ الوسط نحو الإِفراط أو التفريط، ولذلك فقد سمّي الشرك وعبادة الأوثان إلحاداً أيضاً.
والمقصود من الإِلحاد في أسماء الله هو أن نحرف ألفاظها أو مفاهيمها.
بحيث نصفه بصفات لا تليق بساحته المقدسة، كما يصفه المسيحيون بالتثليث "الله والابن وروح القدس" أو أن نطبّق صفاته على المخلوقين كما فعل ذلك المشركون وعبدة الأوثان إذ اشتقوا لأصنامهم أسماءً من أسماء الله فسمّوها... اللات والعزّى ومناة.
(وغيرها) فهذه الأسماء مشتقّة من الله والعزيز والمنان "على التوالي".
أو أنّهم حرفوا صفاته حتى شبّهوه بالمخلوقات، أو عطلوا صفاته، وما إلى ذلك.
أو أنّهم اكتفوا بذكر الإسم فحسب دون أن يتمثلوه ويعرفوا آثاره في أنفسهم وفي مجتمعاتهم.
﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾ التي لا يسمى بها غيره ﴿فَادْعُوهُ بِهَا﴾ سموه بتلك الأسماء ﴿وَذَرُواْ﴾ واتركوا ﴿الَّذِينَ يُلْحِدُونَ﴾ يميلون عن الحق ﴿فِي أَسْمَآئِهِ﴾ فيطلقونها على أصنامهم ويشتقون أسماءهم منها كاللات من الله والعزى من العزيز ومناة من المنان أو يسمونه بما لا يليق به أي ذروهم وإلحادهم فيها ﴿سَيُجْزَوْنَ﴾ في الآخرة جزاء ﴿مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.