التّفسير
الإِستدراج!
تعقيباً على البحث السابق الذي عالجته الآيات المتقدمة - والذي يبيّن حال أهل النّار، تبيّن هاتان الآيتان واحدةً من سنن الله في شأن كثير من عباده المجرمين المعاندين، وهي ما عبّر عنها القرآن "بعذاب الإستدراج".
والإِستدراج جاء في موطنين من القرآن: أحدهما في الآيتين محل البحث، والآخر في الآية (44) من سورة القلم، وكلا الموطنين يتعلقان بمكذّبي آيات الله ومنكر بها.
وكما يقول أهل اللغة، فإنّ للإِستدراج معنيين:
أحدهما: أخذ الشيء تدريجاً، لأنّ أصل الإِستدراج مشتق من (الدرجة) فكما أنّ الإِنسان ينزل من أعلى العمارة إلى أسفلها بالسلالم درجةً درجة، أو يصعد من الأسفل إلى الأعلى درجةً درجة ومرحلة مرحلة، فقد سمي هذا الأمر استدراجاً.
والمعنى الثّاني للإِستدراج هو، اللّف والطّي، كطي السّجل أو "الطومار" ولفّه.
وهذان المعنيان أوردهما الراغب في مفرداته، إلاّ أنّ التأمل بدقّة في المعنيين يكشف أنّهما يرجعان إلى مفهوم كلي جامع واحد: وهو العمل التدريجي.
وبعد أن عرفنا معنى الإِستدراج نعود إلى تفسير الآية محل البحث.
يقول سبحانه في الآية الأُولى: (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون).
أي سنعذبهم بالإِستدراج شيئاً فشيئاً، ونطوي حياتهم.
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم﴾ سنقربهم إلى الهلاك درجة درجة ﴿مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ذلك بأن تتواتر عليهم النعم وهم يزدادون غيا حتى يحل بهم العذاب.