لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول روي عن ابن عباس إنّه الآية نزلت في «فطلوس» الرومي وجنده النصارى الذين حاربوا بني إسرائيل، وأحرقوا التوراة، وأسروا الأبناء وهدموا بيت المقدس. وعن ابن عباس أيضاً أنها نزلت في الروم، غزوا بيت المقدس وسعوا في خرابه حتى أظهر الله المسلمين عليهم. وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنها نزلت في قريش حين حالوا دون دخول الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مدينة مكة والمسجد الحرام. وقيل إنها نزلت في مشركي مكة ممن هدموا الأماكن التي اتخذها المسلمون للصلاة في مكّة، بعد هجرة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منها. ولا يمنع أن يكون نزول الآية بسبب كل هذه الأحداث، وبذلك يكون كل واحد من أسباب النّزول المذكورة قد تناول بُعداً واحداً من أبعاد المسألة. التّفسير أظلم النّاس: أسباب النّزول توضّح أن الآية تتحدث عن اليهود والنصارى والمشركين، مع أن الآيات السابقة تتحدث أكثر ما تتحدث عن اليهود وأحياناً عن النصارى. على أي حال «اليهود» بوسوستهم بشأن مسألة تغيير القبلة، سعوا إلى أن يتجه المسلمون في صلاتهم نحو بيت المقدس، ليتفوقوا بذلك على المسلمين، وليحطوا من مكانة الكعبة. و«مشركو مكة» بمنعهم النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين زيارة الكعبة سعوا عملياً في هدم هذا البناء الإِلهي. و«النصارى» باستيلائهم على بيت المقدس والعبث فيه على ما ذكر ابن عباس سعوا في تخريبه. القرآن يقول لهؤلاء جميعاً ولكل من يسلك طريقاً مشابهاً لهؤلاء: ﴿وَمَنْ أَظْلمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرَابِهَا﴾. القرآن الكريم أطلق على مثل هذا العمل اسم «الظلم الكبير»، وعلى العاملين اسم «أظلم النّاس» وأيّ ظلم أكبر من تخريب قاعدة التوحيد، وصدّ النّاس عن ذكر الله؟! ثم تقول الآية: ﴿أُوَلئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ﴾. أي إِن المسلمين والموحدين ينبغي أن يكونوا على درجة من القوّة والمقاومة بحيث لا يستطيع الظلمة أن يمدوا أيديهم إلى هذه الأماكن المقدسة، ولا يستطيعون أن يدخلوها جهرة بدون خوف أو خشية. ومن المحتمل أيضاً أن الآية تقول: إن الظلمة لن يستطيعوا أبداً أن ينجحوا في الإِستيلاء على هذه المراكز العبادية، بل إنهم سوف لا يستطيعون في المستقبل أن يدخلوا هذه المساجد إلاّ وهم خائفون مذعورون، تماماً كالمصير الذي لاقاه مشركو مكة بشأن المسجد الحرام. والآية تبين بعد ذلك العقاب الذي ينتظر هؤلاء الظلمة ممن يريد أن يفصل بين الله وعباده: ﴿لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الاْخِرَةِ عَظِيمٌ﴾. بحثان 1 - تخريب المساجد: مفهوم الآية المذكورة واسع - دون شك - غير محدود بزمان أو مكان معينين. إنها مثل سائر الآيات التي نزلت في ظروف خاصة لكن حكمها ثابت على مرّ العصور والدهور. فكل الذين يسعون بنوع من الأنواع في تخريب المساجد مشمولون بهذا الخزي والعذاب العظيم. من الضروري أن نؤكد أن منع الذكر في مساجد الله والسعي في خرابها، لا يقتصر على هدم بنائها، بل إن كل عمل يؤدي إلى القضاء على دور المسجد في المجتمع مشمول بهذه الآية. وسوف نرى في الآية ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ...﴾ أن المقصود من العمران - استناداً إلى الأحاديث والروايات الصريحة - ليس هو تشييد البناء فحسب، بل الحضور فيها واحياؤها بالذكر، هو نوع من العمران، بل أهم أنواع العمران. وفي النقطة المقابلة - إذن - يكون كل عمل يبعد النّاس عن المساجد، ويبعد المساجد عن دورها ظلماً كبيراً. ومن المؤسف أن عصرنا يشهد ظهور مجموعة جاهلة متعصبة متعنتة بعيدة عن المنطق، تطلق على نفسها اسم الوهابيّة تسعى في تخريب المساجد بحجة إحياء التوحيد!! هؤلاء عمدوا إلى تخريب المساجد المبنيّة على قبور الأئمة والصالحين، والتي كانت مركزاً للذكر والدعاء والإِرتباط بالله وبخط الصالحين من آل الله. ومن الغريب أنهم يمارسون هذه الأعمال تحت عنوان مكافحة الشرك مرتكبين بذلك أفظع الكبائر. ولو افترضنا حدوث ما يخالف الشرع في بعض هذه الأماكن الدينية من قبل الجهلة، فيجب الوقوف بوجه مثل هذه الأعمال، لا أن تتجه الجهود إلى تخريب هذه القواعد التوحيدية، فهذا عمل يشبه عمل المشركين الجاهليين. 2 - أكبر الظّلم: ومسألة اُخرى تلفت النظر في هذه الآية، هي وصفها مثل هؤلاء الأفراد بأنهم أظلم النّاس. وهم كذلك، لأن تعطيل المساجد وتخريبها ومنع ذكر الله فيها، يؤدي إلى ابتعاد النّاس عن الدين، وبالتالي إلى عواقب سيئة ومأساة اجتماعية عظيمة. وصفة «الأظلم» ذكرها القرآن الكريم في مواضع اُخرى للحكاية عن كبائر اُخرى، لكن كل هذه الذنوب تعود إلى أصل واحد هو صدّ النّاس عن طريق التوحيد. وسيأتي شرح ذلك أكثر في المجلد الرابع من هذا التّفسير عند الحديث عن الآية 21 من سورة الأنعام. ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ﴾ قيل نزلت في الروم لما غزوا بيت المقدس وخربوه وقتلوا أهله وأحرقوا التوراة والمشركين حين منعوا رسول الله دخول المسجد الحرام عام الحديبية والحكم عام في كل مانع وساع في خراب كل مسجد وإن خص السبب ﴿أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ مفعول ثان لمنع أو مفعول له أي كراهة أن يذكر ﴿وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾ لئلا تعمر بطاعة الله ﴿أُوْلَئِكَ﴾ المانعون ﴿مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ﴾ من عذابه أو من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلا أن يمنعوهم منها أو ما كان لهم في علم الله فهو وعد للمؤمنين بالنصر وقيل معناه النهي عن تمكينهم من دخول المسجد ﴿لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾ القتل أو السبي أو الجزية أو فتح مدائنهم إذا قام المهدي أو طردهم عن الحرم ﴿وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ بظلمهم.