والنعمة الأُخرى التي أنعمها الله على المجاهدين في بدر، هي الرعب الذي أصاب به الله قلوب أعدائهم، فزلزل معنوياتهم بشدة، فيقول تعالى (إذ يوحي ربّك إلى الملائكة إنّي معكم فثبّتوا الذين آمنوا).
(سألقي في قلوب الذين كفروا الرّعب).
وإنّه لمن العجب والغرابة أن ينهار جيش قريش القوي أمام جيش المسلمين القليل، وأن تذهب معنوياتهم - كما ينقل التاريخ - بصورة يخاف معها الكثير منهم من منازلة المسلمين، وحتى أنّهم كانوا يفكرون بأنّ المسلمين ليسوا أشخاصاً مألوفين، وكانوا يقولون بأنّ المسلمين قد جاؤوكم من قرب يثرب (المدينة) بهدايا يحملونها على إبلهم هي الموت.
ولا شك أنّ هذا الرعب الذي أصاب قلوب المشركين، والذي كان من عوامل النصر، لم يكن جزافاً، فلقد أثبت المسلمون شجاعتهم وأقاموا صلاة الجماعة، وكانت شعارتهم قوية.
فإظهار المؤمنون الصادقين وفاءهم وخطبة بعضهم مثل سعد بن معاذ نيابة عن الأنصار أمام النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلا:
"بأبي أنت وأمّي، يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّنا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أنّ ما جئت به حق من عندالله فمرنا بما شئت وخذ من أموالنا ما شئت، واترك منه ما شئت والذي أخذت منه أحبّ اليّ من الذي تركت منه، والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لنحضنا معك... إِنّنا لنرجوا أن يقرّ الله عزّوجلّ عينيك بنا...".
مثل هذا الحديث سرعان ما انتشر بين الأعداء والأصدقاء، أضف إِلى ذلك ما رآه المشركون من ثبات راسخ عند المسلمين يوم كانوا في مكّة رجالا ونساءً.
اجتمعت كل هذه الأُمور لترسم صورة الخوف عند المشركين.
ثمّ الريح العاتية التي كانت تهب على المشركين والمطر الشديد عليهم والخواطر المخفية لرؤيا (عاتكة) في مكّة، وغيرها من العوامل التي كانت تبعث فيهم الخوف والهلع الشديد.
ثمّ آن القرآن يذكّر المسلمين بالأمر الذي أصدره النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للمسلمين بأنّ عليهم اجتناب الضرب غير المؤثر في المشركين، حال القتال لئلا تضيع قوتهم فيه، بل عليهم توجيه ضربات مؤثرة وقاطعة (فأضربوا فوق الأعناق وأضربوا منهم كل بنان).
و (البنان) جمع (البنانة) بمعنى رؤوس أصابع الأيدي أو الأرجل، أو الأصابع نفسها، وفي هذه الآية يمكن أن تكون كناية عن الأيدي والأرجل أو بالمعنى الأصلي نفسه، فإنّ قطع الأصابع من الأيدي يمنع من حمل السلاح، وقطعها من الارجل يمنع الحركة، ويحتمل أن يكون المعنى هو إذا كان العدو مترجلا، فيجب أن تكون الأهداف رؤوسهم، وإذ كان راكباً فالأهداف أيديهم وأرجلهم.
كما أنّ بعضاً ى يرى أنّ هذه الجملة هي خطاب للملائكة، إلاّ أنّ القرائن تدل على أنّ المخاطبين هم المسلمون، وإذا كان الملائكة هم المخاطبين فيها فيمكن أن يكون الهدف من الضرب على الرؤوس والأيدي والأرجل، هو إيجاد الرعب فيهم لترتبك أيديهم وأرجلهم فتسقط وتنحني رؤوسهم.
(وبالطبع فإنّ هذا التّفسير يخالف الظاهر من العبارة، ويجب إثباته بالقرائن تحدثنا عنها سابقاً من مسألة عدم قتال الملائكة).
﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ﴾ بالنصر فأعاينهم ﴿فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ بالبشارة بالنصر أو بقتل أعدائهم ﴿سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ﴾ كالبيان لأني معكم ﴿فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ﴾ أي الرءوس ﴿وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ أطرافهم وأيديهم وأرجلهم.