التّفسير
لقد جرى بحث كثير بين المفسّرين حول الذين توجهت إليهم الآية بالحديث، فبعضهم يعتقد بأنّهم المشركين، لأنّهم قبل خروجهم من مكّة إِلى بدر اجتمعوا حول الكعبة وضربوا على ستائرها (لغرورهم واعتقادهم بأنّهم على الحق).
وقالوا: "اللّهم أنصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين" (1).
وروي أنّ أباجهل دعا فقال: (اللهم ربّنا ديننا القديم ودين محمّد الحديث، فأي الدينين كان أحب إليك وأرضى عندك فأنصر أهله اليوم) (2)... ولذلك فقد نزلت هذه الآية لتقول لهم: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خيرلكم وإن تعودوا نَعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت وإنّ الله مع المؤمنين).
والذي يبعد هذا التّفسير أن الحديث في الآيات السابقة واللاحقة لهذه الآية موجه للمؤمنين، فيستبعد أن تكون بينها آية واحدة تتحدث مع المشركين، ويضاف لذلك الإِرتباط المعنوي الموجود بين مضامين كل هذه الآيات - ولذلك اعتبر بعض المفسّرين أنّ المخاطبين في الآية هم المؤمنون، وأحسن صورة لتفسير الآية على هذا الوجه هي:
لقد حصل بين بعض المؤمنين جدال حول تقسيم الغنائم بعد واقعة بدر - كما رأينا - ونزلت آيات توبخهم وتضع الغنائم تحت تصرف شخص الرّسول كاملا (صلى الله عليه وآله وسلم) فقام بتقسيمها بينهم بالتساوي، بغية تربيتهم وتعليمهم، ثمّ ذكّرهم بحوادث بدر وكيف نصرهم الله على عدوّهم القوي.
وهذه الآية تتابع الحديث عن الموضوع نفسه فتخاطب المسلمين وتقول لهم: إنّكم إذا سألتم الله الفتح والنصر فسوف يستجيب لكم وينصركم، وإذ تركتم الإِعتراض والجدال عند النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فبذلك مصلحتكم، وإذا عدتم لنفس الأُسلوب من الإِعتراض فسنعود نحن أيضاً، ونترككم وحيدين في قبضة الأعداء وحتى إذا كان عددكم كثيراً فبدون نصرة الله لن تقدروا أن تعملوا أي شيء، وإنّ الله مع المؤمنين المخلصين والطائعين لأوامره وأوامر نبيّه.
ولكن يستفاد من سياق الآيات وخاصّة من إلقاء اللوم على المسلمين لبعض مخالفتهم، وكذلك سياق الايات السابقة وما فيها من أواصر وروابط معنوية واضحة، فإن التّفسير الثّاني أقرب إِلى أجواء الخطاب القرآني.
﴿إِن تَسْتَفْتِحُواْ﴾ تطلبوا الفتح أي النصر ﴿فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ﴾ نصر محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عليكم ﴿وَإِن تَنتَهُواْ﴾ عن الكفر وجواب الرسول ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ عاجلا وآجلا ﴿وَإِن تَعُودُواْ﴾ لحربه ﴿نَعُدْ﴾ بنصره ﴿وَلَن تُغْنِيَ﴾ تدفع ﴿عَنكُمْ فِئَتُكُمْ﴾ جماعتكم ﴿شَيْئًا﴾ من العذاب ﴿وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بالنصر.