والآية التّالية تتحدث عن منطق عجيب آخر فتقول: (وإذ قالوا اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم).
لقد كانوا يقولون ذلك لشدّة تعصبهم وعنادهم، وكانوا يتصورون أنّ الدين الإسلامي لا أساس له أبداً، وإلاّ فإنّ أحداً يحتمل حقانية الإِسلام كيف يمكنه أن يدعو على نفسه بمثل هذا الدعاء؟
كما ويحتمل أيضاً أنّ شيوخ المشركين وسادتهم يقولون ذلك الكلام لتضليل الناس وليثبتوا لبساطائهم أنّ رسالة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باطلة تماماً، في حين أنّهم لا يعتقدون بما يقولون.
وكأنّهم - أي المشركين - يريدون أن يقولوا للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّك تتكلم عن الأنبياء السابقين، وإنّ الله قد أهلك أعداءَهم بحجارة أمطرها عليهم "كما هي الحال في شأن قوم لوط" فإن كنت صادقاً فيما تقول فأمطر علينا حجارة من السماء!
وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) (في مجمع البيان) أنّه لما نصب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) يوم غدير خم فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، طار ذلك في البلاد، فقدم على النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) النعمان بن الحارث الفهري، فقال: أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله، وأمرتنا بالجهاد والحج والصوم والصلاة والزكاة فقبلناها، ثمّ لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أو أمر من عندالله؟
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : "واللّه الذي لا إله إلاّ هو، إن هذا من الله".
فولّى النعمان بن الحارث وهو يقول: اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، فرماه الله بحجر على رأسه فقتله (1).
وهذا الحديث لا ينافي نزول الآية في قصّة الغدير، لأنّ سبب النزول: لم يكن موضوع النعمان، بل إن النعمان قد اقتبس من الآية في الدعاء على نفسه، وهذا يشبه قولنا في الدعاء مقتبسين ذلك من القرآن (ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) "وسيأتي تفصيل هذا الموضوع وما ذكرته كتب أهل السنة من أساتيد كثيرة له في ذيل الآية الأُولى من سورة المعارج (سأل سائل بعذاب واقع) بإذن الله".
وفي ماتقدم من الآيات نلاحظ أنّ المشركين وجّهوا إِلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اشكالين:
الأوّل منهما: واضح البُطلان، وهو قولهم: لو نشاء لقلنا مثل هذا.
فلم يردّ عليه القرآن.
بديهي أن هذا الإِدعاء أجوف كاذب، لأنّهم لو استطاعوا لما توانوا عنه أبداً ولجاءوا به، فلا حاجة إذن للردّ عليه.
والإِشكال الثّاني: لو كانت هذه الآيات نازلة من قبل الله فأنزل علينا العقاب والبلاء، فيرد عليهم القرآن في الآية الثّالثة، من الآيات محل البحث، بقوله: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم).
وفي الحقيقة أنّ وجودك - يا رسول الله - الذي هو رحمة للعالمين، يمنع من نزول البلاء بسبب هذه الذنوب، فيهلك قومُك كما هلكت الأُمم السابقة جماعات أو متفرقين.
﴿وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا﴾ الذي يتلوه محمد، أو قوله في علي (عليه السلام) من كنت مولاه فعلي مولاه كما روي ﴿هُوَ الْحَقَّ﴾ الثابت تنزيله ﴿مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ على جحوده وقائله النضر وأبو جهل أو النعمان بن الحارث تهكما وإظهارا للجزم ببطلانه.