الخطاب أوّلا إلى الرّسول الأعظم(ص) ويقول: (فلا تطع الكافرين).
لا تخطُ أية خطوة على طريق التوافق مع انحرافاتهم، فإنّ التوافق مع المنحرفين آفة الدعوة إلى الله، قف أمامهم بقوّة، واسعَ إلى إصلاحهم، لكن كن حذراً ولا تتسلم لأهواءهم وخرافاتهم.
أمّا القانون الثّاني فهو: جاهد أُولئك بالقرآن: (وجاهدهم به جهاداً كبيراً).
جهاداً كبيراً بعظمة رسالتك، وبعظمة جهاد كل الأنبياء الماضين، الجهاد الذي يشمل جميع الأبعاد الروحية والفكرية للناس، ويشمل كل الأصعدة المادية والمعنوية.
لا شك أن المقصود من الجهاد في هذا الموضع هو الجهاد الفكري والثقافي والتبليغي وليس الجهاد المسلح، ذلك لأنّ هذه السورة مكية، والأمر بالجهاد المسلح لم يكن قد نزل في مكّة. وعلى قول العلامة "الطبرسي" في مجمع البيان، أن هذه الآية دليل واضح على أنّ الجهاد الفكري والتبليغي في مواجهة وساوس المضلين وأعداء الحق من أكبر أنواع الجهاد.
وروي عن النّبى(ص): "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر".
وربّما كان هذا الحديث إشارة إلى نفس هذا الجهاد وإلى عظمة ما يؤديه العلماء في التبليغ بالدين، هذا التعبير يجسد أيضاً عظمة مقام القرآن، ذلك لأنّه وسيلة هذا الجهاد الكبير وسلاحه القاطع، فإنّ قدرته البيانية واستدلاله وتأثيره العميق وجاذبيته فوق تصور وقدرة البشر.
الوسيلة المؤثرة والواضحة كوضوح الشمس وضياء النهار، والمطمئنة كطمأنية ستائر الليل، والمحركة كحركة الرياح الخلاقة، والعظيمة بعظمة الغيوم وفيما تبثه قطرات المطر من حياة، حيث أشارت إلى ذلك الآيات السابقة.
﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ﴾ فيما يدعونك إليه تهييج له (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿وَجَاهِدْهُم بِهِ﴾ بالقرآن أو بترك طاعتهم ﴿جِهَادًا كَبِيرًا﴾ يتحمل فيه المشاق بإقامة الحجج أو بجهاد جميع أهل القرى.