لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
و يبيّن القرآن الكريم في نهاية المطاف في الآية الأخيرة - مورد البحث - انحراف المشركين عن أصل التوحيد، من خلال المقايسة بين قدرة الأصنام وقدرة الخالق، حيث مرّت نماذج منها في الآيات السابقة، يقول: (ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم). من المسلّم أنّ وجود المنفعة والضرر لا يكون وحده معيار العبادة، لكن القرآن يبيّن من خلال هذا التعبير هذه النكتة، وهي أنّهم يفتقدون أية حجة في هذه العبادة، لأنّ الأصنام موجودات عديمة الخاصية تماماً، وفاقدة لأية قيمة، ولأي تأثير سلبي أو إيجابي. و يضيف القرآن الكريم في ختام الآية أن الكفرة يعين بعضهم بعضاً في مواجهة خالقهم "في طريق الكفر" (وكان الكافر على ربّه ظهيراً). إن هؤلاء ليسوا وحدهم في طريق الضلال، إنهم يقوي بعضهم بعضاً بشكل قاطع، ويعبئون القوى ويقيمون العراقيل ضد دين الله ونبيّه والمؤمنين الحقيقيين. وإذا رأينا أن بعض المفسّرين يحصر "الكافر" الوارد في هذه الآية في "أبي جهل" فمن باب ذكر المصداق البارز، وإلاّ فإنّ الكافر في كل مورد له معنى واسع يشمل جميع الكفار. مسألتان 1 - وحدة القيادة في الآية الأُولى - مورد البحث - قرأنا قوله تعالى: (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً) ولكننا لم نفعل مثل هذا... ومن المسلّم أن علة ذلك لأن الأنبياء قادة الأُمم، ونعلم أن التعدد في مسألة القيادة يؤدي إلى إضعاف كل أُمّة وشعب، خاصّة و أنّ الكلام هنا عن خاتم الأنبياء(ص) ، ويجب أن تستمر هذه القيادة حتى نهاية العالم. لذا تتّضح - أكثر - أهمية التمركز والوحدة في القيادة. القائد الواحد يستطيع أن يوحد جميع القوى، ويمنحها الإنسجام والوحدة. وفي الحقيقة فإن مسألة وحدة القيادة انعكاس لحقيقة التوحيد في المجتمع الإنساني، ويكون في النقطة المقابلة ظواهر الشرك والتفرقة والنفاق. و ما ورد في الآية (24) من سورة فاطر: (وإن من أُمة إلاّ خلا فيها نذير) فليس ثمّة منافاة مع البحث أعلاه، لأن الكلام فيها عن الأُمة، لا أهل كل مدينة وكل بلد. فلو أغمضنا النظر عن مقام الأنبياء، فإنّ هذا الأصل صحيح أيضاً حتى في أدنى مستويات القيادة، والشعوب التي صارت أسيرة التعدد في القيادة، إنتهت إلى التجزئة في سائر شؤونها، فضلا عن الضعف والعجز. 2 - القرآن وسيلة الجهاد الكبير "الجهاد الكبير" تعبير بليغ عن أهمية منهج الكفاح الرّباني البنّاء. الملفت للإنتباه في الآيات أعلاه، هو أنّ هذا العنوان قد أُعطي للقرآن، أو بعبارة أخرى: للأشخاص الذين يجاهدون بالقرآن مظاهر الظلال والإنحرافات والتلوثات. هذا التعبير يبيّن المواجهات المنطقية والعقائدية من جهة، ويكشف عن عظمة مقام القرآن من جهة أُخرى. ورد في بعض الرّوايات: أنّ أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام، والأخنس بن شريق بن عمر بن وهب الثقفي حليف بني زهرة... خرجوا ليلة ليستمعوا إلى رسول الله(ص) وهو يصلي من الليل في بيته. فأخذ كلُّ رجل منهم مجلساً يستمع فيه، وكلٌّ لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق، فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً! ثمّ انصرفوا. حتى إذا كانت الليلة الثّانية عاد كلُّ رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أوّل مرّة! ثمّ انصرفوا. حتى إذا كانت الليلة الثّالثة أخذ كلُّ رجل منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود! فتعاهدوا على ذلك، ثمّ تفرقوا. فلمّا أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثمّ خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته، فقال: أخبرني - يا أبا حنظلة - عن رأيك فيما سمعت من محمّد. فقال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها، وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها، ولا ما يراد بها. قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به. قال: ثمّ خرج من عنده حتى أتى أبا جهل، فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمّد؟ فقال: ماذا سمعت!؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف. أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنّا كفرسي رهان، قالوا: منّا نبي يأتيه الوحي من السماء. فمتى ندرك مثل هذه؟ والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه!!. قال: فقام عنه الأخنس وتركه.(2) نعم، جاذبية القرآن ردت هؤلاء إلى أنفسهم ليالي متوالية، وكانوا حتى بياض الصبح غرقى هذه الجاذبية الإلهية، لكن التكبر والتعصب والحرص على المصالح المادية كان مسلطاً عليهم بحيث منعهم من قبول الحق. ولا شك أنّ هذا النّور الإلهي له هذه القدرة على أن يجذب إليه كل قلب مستعد أينما كان، ولهذا كان القرآن وسيلة "الجهاد الكبير" في الآيات مورد البحث. ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ﴾ بعبادته ﴿وَلَا يَضُرُّهُمْ﴾ بتركها وهو الأصنام ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ﴾ أي جنسه أو أبو جهل ﴿عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ عزما للشيطان باتباعه.