لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
الإِمامة قمة مفاخر إبراهيم (عليه السلام): هذه الآية وما بعدها تتحدث عن بطل التوحيد نبي الله الكبير إبراهيم على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام، وعن بناء الكعبة وأهمية هذه القاعدة التوحيدية العبادية. والهدف من هذه الآيات - وعددها ثماني عشرة آية - ثلاثة أُمور: يأوّ: أن تكون مقدمة لمسألة تغيير القبلة التي ستطرح بعد ذلك، كي يعلم المسلمون أن هذه الكعبة من ذكريات إبراهيم محطم الأصنام، ولكي يفهموا أن التلويث الذي طرأ على الكعبة إذ حولها المشركون إلى بيت للأصنام، إنما هو تلويث سطحي لا يحط من قيمة الكعبة ومكانتها. ثانياً: لفضح ادعاءات اليهود والنصارى بشأن انتسابهم لإِبراهيم، وأنهم ورثة دينه وطريقته، ولتوضيح مدى ابتعاد هؤلاء عن ملة إبراهيم. ثالثاً: لتفهيم مشركي العرب أيضاً ببعدهم عن منهج النّبي الكبير محطم الأصنام، والرّد على ما كانوا يتصورونه من ارتباط بينهم وبين إبراهيم. يالآية الكريمة تقول أوّ: ﴿وَإِذَ ابْتَلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ﴾. هذه الفقرة من الآية تشير إلى الإختبارات المتتالية التي اجتازها إبراهيم (عليه السلام) بنجاح، وتبين من خلالها مكانة إبراهيم وعظمته وشخصيته. وبعد أن اجتاز هذه الإختبارات بنجاح استحق أن يمنحه الله الوسام الكبير ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً﴾. وهنا تمنّى إبراهيم (عليه السلام) أن يستمر خط الإِمامة من بعده، وأن لا يبقى محصوراً بشخصه ﴿قَالَ وَمِنْ ذُرّيَّتِي﴾. لكن الله أجابه: ﴿قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾. وقد استجيب طلب إبراهيم (عليه السلام) في استمرار خط الإِمامة في ذريَّته، لكن هذا المقام لا يناله إلاّ الطاهرون المعصومون من ذريّته لا غيرهم. بحوث 1 - المقصود من «الكلمات»: من دراسة آيات القرآن الكريم بشأن إبراهيم (عليه السلام) ، وما أدّاه هذا النّبي العظيم من أعمال جسيمة استحق ثناء الله، نفهم أن المقصود من الكلمات هو مجموعة المسؤوليات والمهام الثقيلة الصعبة التي وضعها الله على عاتق إبراهيم (عليه السلام) ، فحملها وأحسن حملها، وأدّى ما عليه خير أداء، وهي عبارة عن: أخذ ولده إلى المذبح والإِستعداد التام لذبحه، إطاعة لأمر الله سبحانه. إسكان الزوج والولد في واد غير ذي زرع بمكة، حيث لم يسكن فيه إنسان. النهوض بوجه عَبَدة الأصنام وتحطيم الأصنام، والوقوف ببطولة في تلك المحاكمة التاريخية، ثم إلقاؤه في وسط النيران. وثباته ورباطة جأشه في كل هذه المراحل. الهجرة من أرض عبدة الأصنام والإِبتعاد عن الوطن، والإِتجاه نحو أصقاع نائية لأداء رسالته... وأمثالها. يكان كل واحد من هذه الإِختبارات ثقي وصعباً حقّاً، لكنه بقوة إيمانه نجح فيها جميعاً، وأثبت لياقته لمقام «الإِمامة». 2 - من هو الإِمام؟ يتبين من الآية الكريمة التي نحن بصددها، أن منزلة الإِمامة الممنوحة لإبراهيم (عليه السلام) بعد كل هذه الإِختبارات، تفوق منزلة النّبوة والرسالة. ولتوضيح ذلك نقول: إن للإِمامة معاني مختلفة: 1 - الإِمامة بمعنى الرئاسة والزعامة في أُمور الدنيا، (قال بذلك فريق من علماء أهل السنة). 2 - الإِمامة بمعنى الرئاسة في أُمور الدين والدنيا، (قال بذلك فريق آخر من علماء أهل السنة). ماعية، وتربية الأفراد في محتواهم الداخلي وفي سلوكهم الخارجي. وهذه المنزلة أسمى من منزلة النّبوة والرسالة، لأن منزلة النّبوة والرسالة تقتصر على إبلاغ أوامر الله، والبشارة والإِنذار، أمّا الإِمامة فتشمل مسؤوليات النّبوة والرسالة إضافة إلى «إجراء الأحكام» و«تربية النفوس ظاهرياً وباطنياً» (من الواضح أن كثيراً من الأنبياء كانوا يتمتعون بمنزلة الإِمامة). وة والرسالة إضافة إلى «إجراء الأحكام» و«تربية النفوس ظاهرياً وباطنياً» (من الواضح أن كثيراً من الأنبياء كانوا يتمتعون بمنزلة الإِمامة). منزلة الإِمامة هي في الحقيقة منزلة تحقيق أهداف الدين والهداية، أي «الإِيصال إلى المطلوب»، وليست هي «إراءة الطريق» فحسب. ومضافاً لما سبق فانّ الإِمامة تتضمن أيضاً على «الهداية التكوينية»، أي النفوذ الروحي للإِمام، وتأثيره على القلوب المستعدة للهداية المعنوية (تأمل بدقّة). الإمام في ذلك يشبه الشمس التي تبعث الحياة في النباتات، فكذلك دور الامام في بعث الحياة الروحية والمعنوية في الكائنات الحيّة؟. يقول سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً﴾. ومن هذه الآية نفهم بوضوح أن رحمة الله الخاصة والمعونة الغيبية للملائكة بامكانها أن تخرج المؤمنين من الظلمات إلى النور. هذا الموضوع يصدق على الإِمام أيضاً، فالقوّة الروحية للإِمام وللأنبياء الحائزين على منزلة الإِمامة وخلفائهم، لها التأثير العميق على تربية الأفراد المؤهلين، وإخراجهم من ظلمات الجهل والضلالة إلى نور الهداية. لا شك أن المراد من الإِمامة في الآية التي نحن بصدد تفسيرها هو المعنى الثالث للإمامة، لأنّه يستفاد من آيات متعددة أن مفهوم «الإمامة» ينطوي على مفهوم «الهداية»، كقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾. هذه الهداية لا تعني إراءة الطريق، لأن إبراهيم (عليه السلام) كانت له قبل ذلك مكانة النّبوة والرسالة، أي مكانة إراءة الطريق. القرائن الواضحة تشير إلى أن منزلة الإِمامة الممنوحة لإِبراهيم (عليه السلام) بعد الإِمتحانات العسيرة، واجتياز مراحل اليقين والشجاعة والإِستقامة، هي غير منزلة البشارة والإِبلاغ والإِنذار. إذن، الهداية التي يتضمنها مفهوم الإِمامة ما هي إلاّ «الإِيصال إلى المطلوب» و«تحقيق روح الدين»، وتطبيق المناهج التربوية في النفوس المستعدة. هذا الحقيقة يوضحها بإجمال حديث عميق المعنى روي عن الإِمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) يقول: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ عَبْداً قَبْلَ أَنْ يَتَخِذَهُ نَبِيّاً، وإِنَّ اللهَ اتَّخَذَهُ نَبِيّاً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ رَسُولا، وَإِنَّ اللهَ اتَّخَذَهُ رَسُولا قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ خَلِي، وَإِنَّ اللهَ اتَّخَذَهُ خَلِي قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَهُ إِمَاماً، فَلَمَّا جَمَعَ لَهُ الاَْشْيَاءَ، قَالَ: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾ قَالَ: فَمِنْ عِظَمِهَا فِي عَيْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ قَالَ: لاَ يَكُونُ السَّفِيهُ إِمامَ التَّقِيِّ». 3 - الفرق بين النّبوة والإِمامة والرسالة: يفهم من الآيات الكريمة والمأثور عن المعصومين، أن حَمَلة المهمات من قبل الله تعالى لهم منازل مختلفة: 1 - منزلة النّبوة: أي إستلام الوحي من الله، فالنبي هو الذي ينزل عليه الوحي، ومايستلمه من الوحي يعطيه للنّاس إن طلبوا منه ذلك. 2 - منزلة الرسالة: وهي منزلة إبلاغ الوحي، ونشر أحكام الله، وتربية الأفراد عن طريق التعليم والتوعية. فالرّسول إذن هو المكلف بالسعي في دائرة مهمته لدعوة النّاس إلى الله وتبليغ رسالته، وبذل الجهد لتغيير فكري عقائدي فيمجتمعه. 3 - منزلة الإِمامة: وهي منزلة قيادة البشرية، فالإِمام يسعى إلى تطبيق أحكام الله عملياً عن طريق إقامة حكومة إلهية وإستلام مقاليد الأمور اللازمة. وإن لم يستطع إقامة الدولة يسعى قدر طاقته في تنفيذ الأحكام. بعبارة اُخرى، مهمة الإِمام تنفيذ الأوامر الإِلهية، بينما تقتصر مهمة الرّسول على تبليغ هذه الأوامر. وبتعبير آخر أيضاً، مهمة الرّسول، إراءة الطريق، ومهمة الإِمام «الإِيصال إلى المطلوب» (إضافة إلى المهام الثقيلة الاُخرى المذكورة). من نافلة القول أن كثيراً من الأنبياء كنبيّ الإِسلام عليه أفضل الصلاة والسلام حازوا على المنازل الثلاث، كانوا يستلمون الوحي، ويبلغون أوامر الله، ويسعون إلى أقامة الحكومة وتنفيذ الأحكام، وينهضون - بما لهم من تأثير روحي - بمهمة تربية النفوس. الإِمامة - بعبارة موجزة - هي منزلة القيادة الشاملة لجميع المجالات المادية والمعنوية والجسمية والروحية والظاهرية والباطنية. الإِمام رئيس الدولة وزعيم المجتمع ومعلم الأخلاق وقائد المحتوى الداخلي للأفراد المؤهلين. فهو بقوّته المعنوية يقود النفوس المؤهلة على طريق التكامل. وبقدرته العلمية يعلم الجهلة. وبقوّة حكومته أو أية قوّة تنفيذية اُخرى يطبق مبادي العدالة. 4 - الإِمامة آخر مراحل مسيرة إبراهيم التكاملية: بما تقدم في بيان حقيقة الإِمامة يتضح أنه من الممكن أن تكون لشخص منزلة النّبوة وتبليغ الرسالة، بينما لا تكون له منزلة الإِمامة. وهذه المنزلة تحتاج إلى مؤهلات كثيرة في جميع المجالات. وهي المنزلة التي نالها إبراهيم (عليه السلام) بعد كل هذه الإمتحانات والمواقف العظيمة، وكانت آخر مرحلة من مراحل مسيرته التكاملية. من ذهب إلى أن الإِمامة هي «أن يكون الفرد لائقاً ونموذجياً» فقط، ما فهم أن هذه الصفة كانت موجودة في إبراهيم (عليه السلام) منذ بداية النّبوة. ومن قال إنّ المقصود من الإِمامة «أن يكون الفرد قدوة»، فاته أن هذه صفة جميع الأنبياء منذ ابتدائهم بدعوة النّبوة، ولذلك وجب أن يكون النّبي معصوماً لأن أعماله قدوة للآخرين. من هنا، فمنزلة الإِمامة أسمى ممّا ذكر، بل أسمى من النّبوة والرسالة، وهي المنزلة التي نالها إبراهيم من قبل الله بعد أن اجتاز الإِمتحان تلو الإِمتحان. 5 - مَنِ الظّالم؟ المقصود من «الظلم» في التعبير القرآني: ﴿لاَ يَنَالُ عهدِي الظَّالِمِينَ﴾ لا يقتصر على ظلم الآخرين، بل الظلم (مقابل العدل)، وقد استعمل هنا بالمعنى الواسع للكلمة، ويقع في النقطة المقابلة للعدل: وهو وضع الشيء في محله. فالظلم إذن وضع الشخص أو العمل أو الشيء في غير مكانه المناسب. ولما كانت منزلة الإِمامة والقيادة الظاهرية والباطنية للبشرية منزلة ذات مسؤوليات جسيمة هائلة عظيمة، فإن لحظة من الذنب والمعصية خلال العمر تسبب سلب لياقة هذه المنزلة عن الشخص. لذلك نرى أئمة آل البيت(عليهم السلام) يثبتون بهذه الآية تعيّن الخلافة بعد النّبي مباشرة لعلي (عليه السلام) وإنحصارها به، مشيرين إلى أن الآخرين عبدوا الأصنام في الجاهلية، وعليّ (عليه السلام) وحده لم يسجد لصنم. وأيّ ظلم أكبر من عبادة الأصنام؟! ألم يقل لقمان لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾؟! من هذه الإستدلالات ما رواه هشام بن سالم عن الإِمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) قال: «قَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ نَبِيّاً وَلَيْسَ بِإِمَام، حَتِّى قَالَ اللهُ: (إنّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً، قَالَ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي، فَقَالَ اللهُ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، مَنْ عَبَدَ صَنَماً أَوْ وَثَناً لاَ يَكُونُ إِمَاماً». وفي حديث آخر عن عبد الله بن مسعود عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إِنَّ اللهَ قَالَ لإِبْرَاهِيمَ: «لاَ أَعْطِيَكَ عَهْداً لِلظَّالِمِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ، قَالَ: يَا رَبِّ وَمَنِ الظَّالِمُ مِنْ وَلِدي الَّذِي لا يَنَالُ عَهْدَكَ؟ قَالَ: مَنْ سَجَدَ لِصَنَم مِنْ دُونِي لاَ أَجْعَلُهُ إِمَاماً أَبَداً، وَلاَ يَصْلَحُ أن يكون إِمَاماً». 6 - تعيين الامام من قبل الله: من الآية مورد البحث نفهم ضمنياً أن الإِمام (القائد المعصوم لكل جوانب المجتمع) يجب أن يكون معيناً من قبل الله سبحانه، لما يلي: يأوّ: الإِمامة ميثاق إلهي، وطبيعي أن يكون التعيين من قبل الله، لأنه طرف هذا الميثاق. ثانياً: الأفراد الذين تلبّسوا بعنوان الظلم، ومارسوا في حياتهم لحظة ظلم بحقّ يأنفسهم أو بحقّ الآخرين، كأن تكون لحظة شرك مث، لا يليقون للإمامة، فالإِمام يجب أن يكون طيلة عمره معصوماً. وهل يعلم ذلك في نفوس الأفراد إلاّ الله؟! ولو أردنا بهذا المعيار أن نعيّن خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلا يمكن أن يكون غير علي (عليه السلام). جدير بالذكر أن صاحب «المنار» نقل عن أبي حنيفة قوله: أن الخلافة لا تليق إلاّ بالعلويين، ومن هنا أجاز الخروج على حكومة العباسيين، ومن هنا أيضاً رفض منصب القضاء في حكومة خلفاء بني العباس. ويقول صاحب المنار أيضاً: إن أئمة المذاهب الأربعة كانوا معارضين لحكام زمانهم، وكانوا يعتبرون أولئك الحكام غير لائقين لزعامة المسملين، لأنهم ظالمون. ومن العجيب أن كثيراً من علماء أهل السنة في عصرنا هذا، يؤيدون ويدعمون الحكومات الظالمة المتجبّرة المرتبطة إرتباطاً واضحاً جليّاً بجبهة الكفر العالمية، والمفسدة في الأرض إفساداً لا يخفى على أحد، بل أكثر من ذلك يعتبرون هؤلاء الحكام «أُولي الأمر» ويركزون على وجوب طاعتهم!! 7 - جواب عن سؤالين: 1 - قلنا في تفسير معنى الإِمامة أن عمل الإِمامة هو «الإِيصال إلى المطلوب» و«تنفيذ المناهج الإِلهية»، وهنا قد يقول قائل: إن هذا المعنى لم يتحقق في كثير من الأنبياء، بل لم يتحقق حتى بالنسبة للنبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الأطهار في المقياس العام، فقد كان يقف في مقابلهم دوماً أفراد ضالون مضلون. جواباً على ذلك نقول: تعريفنا لعمل الإِمام لا يعني أن الإِمام يجرّ الاُمّة قسراً نحو الحق، بل إن الأفراد يستطيعون - وهم مختارون - أن يهتدوا بما يمتلكه الإِمام من قوّة ظاهرية وباطنية، على شرط امتلاك هؤلاء الأفراد للّياقة والإِستعداد. وهذا كقولنا الشمس خلقت لإستمرار حياة الموجودات الحيّة، أو أن المطر يعمل على إحياء الأرض الميتة، تأثير الشمس والمطر له طابع عام، لكنه لا يصدق إلاّ في الموجودات المستعدة لقبول هذا التأثير. 2 - التّفسير المذكور للإِمام يستدعي أن يكون كل إمام نبيّاً ورسو أوّ، وبعد ذلك يبلغ درجة الإِمامة. بينما لم يكن الخلفاء المعصومون لنبيّ الإِسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) كذلك. نقول في الجواب: لا يلزم أن يكون الإِمام قد بلغ حتماً منزلة النّبوة والرسالة، فالذي اجتمعت فيه منزلة النّبوة والرسالة والإِمامة (مثل النّبي الخاتم) يمكن لخليفته أن يواصل طريق الإِمامة، وذلك حين تنتفي الحاجة إلى رسالة جديدة كما هو الحال بعد خاتم الأنبياء. بعباره اُخرى، حين تكون مرحلة إستلام الوحي الإِلهي وتبليغ جميع الأحكام قد انتهت وبقيت المرحلة التنفيذية، فإن خليفة النّبي يستطيع أن يواصل يالخط التنفيذي، ولا حاجة لأن يكون هذا الخليفة نبياً أو رسو. 8 - شخصية إبراهيم المثالية: ورد اسم إبراهيم (عليه السلام) في 69 موضعاً من القرآن الكريم، تحدثت عنه آيات تتوزع بين خمس وعشرين سورة. والقرآن يثني كثيراً على هذا النّبي الكريم ويذكره بصفات جليلة عظيمة. إنه قدوة وأسوة في كل المجالات، ونموذج للإِنسان الكامل. مكانته في سُلّم معرفة الله... ومنطقه الصريح أمام عبدة الأوثان... ونضاله المرير ضد الجبابرة... وتضحياته على طريق الله، وصموده الغريب أمام عواصف الحوادث والإِختبارات الصعبة... كل واحدة من هذه الصفات تشكل النموذج الأعلى للسائرين على طريق التوحيد. إبراهيم كما يصفه القرآن من ﴿الُْمحْسِنِينَ﴾، ومن ﴿الصَّالِحِينَ﴾، ومن (القانتين)، ومن (الصدّيقين)، و﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾، و﴿وَإِبْراهَيمَ الّذي وَفَّى﴾، ذو سخاء عظيم وشجاعة منقطعة النظير. في تفسير سورة إبراهيم (خاصة في القسم الأخير من السّورة) سنفصل الحديث في هذا المجال. (راجع المجلد السابع من هذا التّفسير) ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾ عامله معاملة المختبر وفسرت بذبح ولده والنار وبمناسك الحج وبالكوكب والقمر والشمس وبالعشر الحنيفية وبالكلمات التي تلقاها آدم من ربه وهي أسماء محمد وأهل بيته (عليهم السلام) ﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾ أداهن بغير تفريط ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾ نسلي الواو للاستيناف أو العطف على محذوف ومن للابتداء أو التبعيض أو زائدة أي اجعلني إماما واجعل من ذريتي أو بعضها أو ذريتي على جهة السؤال ﴿قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي﴾ الإمامة ﴿الظَّالِمِينَ﴾ لا يكون السفيه إمام التقي دلت على وجوب عصمة النبي والإمام لصدق الظالم على العاصي سواء فسر بانتقاص الحق أو بوضع الشيء في غير موضعه.