التّفسير
البروج السماوية:
كان الكلام في الآيات الماضية عن عظمة وقدرة الله، وعن رحمته أيضاً، ويضيف الله تعالى في الآية الأُولى هنا: (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن).
نحن لا نعرف "الرحمن" أصلا، وهذه الكلمة ليس لها مفهوم واضح عندنا، (أنسجد لما تأمُرنا) نحن لا نخضع لأي أحد، وسوف لن نكون أتباع أمر هذا أو ذاك (وزادهم نفوراً) اي أنّهم يتكلمون بهذا الكلام ويزدادون ابتعاداً ونفوراً عن الحقّ.
لا شكّ أنّ أنسب اسم من أسماء الله للدعوة إلى الخضوع والسجود بين يديه، هو ذلك الاسم الممتلىء جاذبية "الرحمن" مع مفهوم رحمته العامّة الواسعة، لكن أولئك بسبب عمى قلوبهم ولجاجتهم، لم يظهروا تأثراً حيال هذه الدعوة، بل تلقوها بالسخرية والإستهزاء، وقالوا على سبيل التحقير: (وما الرحمن) كما قال فرعون حيال دعوة موسى(ع): (وما رب العالمين).(1) فهؤلاء لم يكونوا على استعداد حتى ليقولوا: "ومن الرحمن" أو "من ربّ العالمين".
ورغم أن بعض المفسّرين يرى أن اسم "الرحمن" لم يكن مأنوساً بين عرب الجاهلية، وحينما سمعوا هذا الوصف من النّبي(ص) طرحوا هذا السؤال على سبيل التعجب واقعاً، حتى كان يقول البعض منهم: "ما نعرف الرحمن إلاّ رجلا باليمامة" (يعنون به مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوّة كذباً، وعرفه وقومه بهذا الاسم "الرحمن").
لكن هذا القول بعيد جدّاً، لأنّ مادة هذا الاسم وصيغته كلاهما عربيان، وكان النّبي(ص) يتلو - دائماً - في بداية السور القرآنية، الآية (بسم الله الرحمن الرحيم) وعلى هذا فلم يكن هدف أُولئك إلاّ التحجج والسخرية، والعبارة التالية شاهد على هذه الحقيقة أيضاً لأنهم يقولون: (أنسجد لما تأمرنا).
وبما أن تعاليم القادة الإلهيين تؤثر في القلوب المؤهلة فقط، فإنّ عمي القلوب من المعاندين مضافاً الى عدم انتفاعهم بها، فإنّها تزيدهم نفوراً لأنّ آيات القرآن كقطرات المطر الباعثة على الحياة تنمي الورد والخضرة في البستان، والشوك في الأرض السبخة، ولذا لا مجال للتعجب حيث يقول: (وزادهم نفوراً).(2)
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ﴾ سؤال عن المسمى به، وجهلوا أنه من أسمائه تعالى أو عرفوه وجحدوا ﴿أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا﴾ للذي تأمرنا بالسجود له أو لأمرك لنا ولم نعرفه وقرىء بالياء ﴿وَزَادَهُمْ﴾ أي المقول وهو ﴿اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ﴾ ﴿نُفُورًا﴾ عن الإيمان.