الآية التّالية تؤكّد أنّ إِتخاذ القرار النهائي في إِختيار طريق الحقّ أو الباطل إِنّما يرجع للناس أنفسهم، وتقول: (وكذلك نصرف الآيات) (1) أي كذلك نبيّن الأدلة والبراهين بصور وأشكال متنوعة.
لكن جمعاً عارضوا، وقالوا - دونما دليل وبرهان - إِنّك تلقيت هذا من الآخرين (أي اليهود والنصارى) : (وليقولوا درست) (2).
إِلاّ أنّ جمعاً آخر ممن لهم الإِستعداد لتقبل الحق لما لهم من بصيرة وفهم وعلم، يرون وجه الحقيقة ويقبلونها: (ولنبيّنه لقوم يعلمون).
إِنّ إِتهام رسول الله (ص) بأنّه إِقتبس تعاليمه من اليهود والنصارى قد تكرر من جانب المشركين، وما يزال المعارضون المعاندون يتابعونهم في ذلك، مع أنّ حياة الجزيرة العربية لم تكن فيها مدرسة ولا درس ليتعلم منها رسول الله (ص) شيئاً، كما أنّ رحلاته إِلى خارج الجزيرة كانت قصيرة لا تدع مجالا لمثل هذا الإِحتمال، ثمّ إِنّ معلومات اليهود والمسيحيين الذين كانوا يسكنون الحجاز كانت على درجة من التفاهة وتسطير الخرافات بحيث لا يمكن - أصلا - مقارنتها بما في القرآن ولا بتعاليم الرّسول (ص)، وسنشرح هذا الموضوع - إِن شاء الله - عند تفسير الآية (103) من سورة النحل.
﴿وَكَذَلِكَ﴾ التصريف ﴿نُصَرِّفُ الآيَاتِ﴾ نبينها ﴿وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ﴾ نصرفها واللام للعاقبة أو بمعنى لئلا يقولوا درست أي قرأت وتعلمت وقرىء دارست أي ذاكرت أهل الكتاب ﴿وَلِنُبَيِّنَهُ﴾ الضمير للآيات بمعنى القرآن ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾.