الآية الأخيرة يكرر القرآن فيما - مرّة أُخرى - القول بأنّ الله لايريدأن يكره المشركين ويجبرهم على الإِسلام، إِذ لو أراد ذلك لما كان هناك أي مشرك: (ولو شاء الله ما اشركوا) كما يؤكّد القول لرسول الله (ص) : إِنّك لست مسؤولا عن أعمال هؤلاء، لأنّك لم تبعث لإِكراههم على الإِيمان: (وما جعلناك عليهم حفيظاً)، ولا من واجبك حملهم على عمل الخير: (وما أنت عليهم بوكيل).
"الحفيظ" هو من يراقب أمراً أو شخصاً ليحفظه من أن يصاب بضرر، أمّا "الوكيل" فهو من يسعى لإِحراز النفع لموكله.
لعل من المفيد أن نشير إِلى أنّ نفي هاتين الصفتين "الحفاظ والوكالة" عن رسول الله (ص) يعني نفي الإِجبار على دفع ضرر أو اجتلاب نفع، وإِلاّ فإِنّ رسول الله (ص) كان يدعوهم - ضمن تبليغه الرسالة - إِلى عمل الخير وترك الشر بصورة طوعية وإِختيارية.
إِنّ الفكرة التي تسود هذه الآيات تستلفت النظر، فهي تقول: إِنّ الإِيمان بالله وبتعاليم الإِسلام لا يكون عن طريق الإِكراه والإِجبار، بل يكون عن طريق المنطق والإِستدلال والنفوذ إِلى أفكار الناس وأرواحهم، فالإِيمان بالإِكرام لا قيمة له، لأنّ المهم هو أن يدرك الناس الحقيقة فيتقبلوها بإِرادتهم وإِختيارهم.
كثيراً ما يؤكّد القرآن حقيقة كون الإِسلام بعيداً عن كل عنف وخشونة، كتلك الأعمال التي كانت ترتكبها الكنيسة في القرون الوسطى (3)، ومحاكم تفتيش العقائد.
أمّا صلابة الإِسلام في مواجهة المشركين فسوف نبحثها - إِنّ شاء الله - في بداية تفسير سورة البراءة.
﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ﴾ جبرهم على ترك الإشراك ﴿مَا أَشْرَكُواْ﴾ لكنه لم يشأ جبرهم على ذلك لمنافاته الحكمة ﴿وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ رقيبا ﴿وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ﴾ فتجبرهم على التوحيد.